شركاء الإرهاب

لم يعد السؤال المطروح اليوم: هل سينتقل الإرهاب إلى بلد جديد آخر، بل أصبح: متى سينتقل، كما لم يعد للسؤال عن من يغطي الإرهاب أي ضرورة، بعد أن أفصح هؤلاء عن ذواتهم علناً، ليصبح السؤال الصحيح: هل إن ثمار تغطيته أهم من لهيب ناره التي ستلفحهم قريباً جداً؟.
التمدد السريع للحالة “الداعشية” الإرهابية، أسقط أوهاماً عدة، وكشف أخطاء أخرى كثيرة، وربما يكون الوهم الأول الذي سقط هو وهم “النأي بالنفس” اللبناني، فقد ثبت، بدماء الجيش اللبناني الزكية، أنه كان نأياً عن رعاية “بعضهم” للوحش الذي بدأ بأكلهم عندما اشتد عوده، وأكل معه وهماً آخر، وهو وهم يتشارك به “داعشيو” السياسة في لبنان مع رعاتهم، أعراباً وأغراباً، وجوهره: اعتماد الإرهاب سياسة رسمية لتحقيق مصالح سياسية كبرى كالسيطرة على العالم كما في الحالة الأمريكية، أو صغرى كمجرد الحفاظ على الكرسي في الحالة العربية التابعة.
أما الأخطاء التي لا بد من تصحيحها فهي عدة، أولها أن “داعش” لم يصل لبنان بالأمس، فلداعش، ومنذ فترة طويلة، أمراء بمرتبة زعماء أحزاب ووزراء ونواب، ساهموا في تمويله وتسليحه وتحضير بيئته الحاضنة، وعندما تصدّى الجيش اللبناني لمخطط إعلان إمارته في “ولاية لبنان”، كما كشف قائد الجيش، استنفروا عدتهم المذهبية وتسلّحوا بمواقعهم الرسمية لحماية “الإمارة” وتغطيتها والذود عنها.
والخطأ الثاني هو ما وقع فيه رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، حين اعتبر أن “أردوغان” يحمي “داعش”، فالحقيقة، التي لم تعد تحتاج إلى دليل أو برهان، أن “أردوغان” هو ذاته أمير “داعش” في “ولاية تركيا”، وإذا كانت وقائع تحويل بلاده حديقة خلفية لتسهيل مرور “الإخوة” وتسليحهم وتمويلهم غير كافية لإثبات ذلك، فإن صمته المريب عن دبلوماسييه المختطفين لديهم في الموصل دليل سياسي مباشر، كما أن تفرّغ نائبه “بولنت أرينتش” لمكافحة “جريمة ضحك النساء” دليل على التماهي الثقافي بين الطرفين.
وإذا كان أمير “داعش” التركي يبرر لـ “إخوته” علناً ودون خجل، فإن كلمة “ولكن” هي مفتاح تبرير دعاة “السيادة والاستقلال” في لبنان لعملية تسليم البلد للخليفة المنتظر، سواء كان “بغدادياً”، أو “خليجياً”، أو “أمريكياً”، فكلهم في الهم شرق كما يُقال، وهمهم الأوحد، حماية أمير “داعش” الإسرائيلي والتغطية على جرائمه، تمهيداً لشرق أوسط جديد، يغرق بحروب الهويات المتضادة، وتفاصيل خلافات عمرها قرون وقرون، للتغطية على عملية نهبه المستمرة من قبل مركز امبريالي متوحش، وعروش رجعية تابعة، وما أدق “اللغة الخشبية” في وصف هؤلاء.
بهذا الإطار فقط، نفهم تمدد “قوس الإرهاب” باتجاه لبنان، ونتوقع، ولا نتمنى، تمدده باتجاه أمكنة أخرى، ولأن البعض لم يتعظ حتى الآن، ولن يتعظ في المستقبل المنظور، وهو ما يبدو من استنفار “المستقبل” وأضرابه في لبنان مع رعاته العرب لحماية الداعشية، فإن المعركة طويلة، وإذا كان “لداعش الإسرائيلي” والأمريكي مصالح يمكن ضربها، و”سفراء” يمكن طردهم كأضعف الإيمان، فإن لـ “داعش” العربي ملوكاً ووزراء ونواباً وساسة و”علماء دين”، والدين منهم براء، يجب مواجهتهم وفضحهم إعلامياً على الأقل، لكن الأهم هو البيئة الحاضنة التي تحتاج عملية استردادها إلى مقاربة سياسية ثقافية اجتماعية علمية عملية متنورة لتفكيكها.
وبعد أن أصبحنا على مفترق تاريخي حقيقي، وليس كما عوّدتنا السرديات العربية البائسة، فإن المواجهة تحتاج بداية إلى القول بوضوح وجلاء ما يلي: من يدين “الإرهاب” ويردف حديثه بـ “ولكن” فهو شريكه في القتل، ومن يطالب بنزع سلاح المقاومة، سواء في لبنان أو فلسطين، ويدمّر الدولة في سورية والعراق ويشتري مصر لتحييدها، فهو مشارك في ديمومة الشرق الأوسط “الإسرائيلي”، كما أن من يعتقد بأن وحش الإرهاب لن يأكله، فليقرأ مصير صانع “فرانكشتاين” ولينتظره قريباً جداً.
بقلم: أحمد حسن