القيم: تدمير “داعش” لمعبد بعل شمين استهداف للفكر والحضارة

دمشق-سانا

الحضارة كلها في مواجهة الهمجية والتوحش هذا هو باختصار ما تتعرض إليه مدينة تدمر الأثرية على يد تنظيم “داعش” الإرهابي الذي لم تعرف البشرية له مثيلا في القتل والتخريب والحقد على كل ما هو جميل كان آخرها إقدامه على تفجير معبد بعل شمين الذي ناهز عمره الألفي عام.

المعبد الذي كرسه التدمريون لإله السماء لدى الفينيقيين بني عام 17 م ثم جرى توسيعه في عهد الإمبراطور الروماني هادريان عام 130م وهو أهم معبد بعد معبد “بل” بحسب تصنيف متحف اللوفر في باريس كما أنه الوحيد من نوعه الذي بقي محافظاً على شكله الأصلي ويقع في الحي الشمالي لمدينة تدمر القديمة فوق أنقاض معبد أقدم منه.

وتتدافع إلى ذاكرة الباحث الدكتور علي القيم خلال حديثه لـ سانا عشرات الأبحاث والدراسات التي وضعها عن مدينة تدمر الأثرية وأوابدها وثورة الترميم كما يسميها التي شهدتها في الخمسين سنة الماضية مقارنا بين ما كان عليه معبد بعل شمين والحالة التي آل عليها على يد الإرهابيين فيقول “إن تدمير هذا الرمز الذي يجسد الأخاء والمحبة والتسامح الذي كان موجودا في تدمر منذ القدم هو تدمير لصيغة أساسية راسخة في الفكر والوجدان السوري منذ عصور ما قبل التاريخ وهو إساءة للفن والحضارة ولتدمر بشكل خاص المسجلة في عداد الآثار العالمية التي يجب الحفاظ عليها بصفتها شاهدة على أثر قل نظيره في العهد القديم”.

ويسهب القيم في شرح أهمية المعبد فيقول “يعد معبد بعل شمين رمزا من رمز الحضارة المشرقية القديمة والعالمية وهو من أجمل الأوابد الراسخة في أذهان كل الذين زاروا تدمر أو قرؤوا عنها أو تعرفوا إلى حضارتها”.

3وكمن يقرأ من كتاب يشرح القيم الأقسام التي يتألف منها بعل شمين قائلا “يتألف بناء المعبد من الحرم وساحتين شمالية وجنوبية تحيط بهما الأروقة وأمام الحرم عتبة تحمل ستة أعمدة وجبهة مثلثية وبعض العناصر المعمارية الإغريقية والرومانية إضافة إلى تصميم المعبد الذي يشبه إلى حد كبير تصميم المعابد الرومانية من خلال اختصاره على صالة مقدسة مركزية واحدة تقوم فوق مصطبة مرتفعة ويتقدمها رواق محمول على أعمدة ذات تيجان كورنثية وقواعد أيونية”.

ورغم تأثر بناء المعبد بمثيلاته في بلاد اليونان والرومان فإن القيم يؤكد “أن العناصر المعمارية الشرقية تطغى على طابع البناء العام للمعبد والساحة ذات الأروقة التي تحيط به والتي تضم المذبح وغرفة المائدة إلى جانب العناصر الزخرفية المستخدمة في تزيين المعبد لتجعل منه مختلفا عن المعابد الرومانية”.

ويتوقف القيم عند انبهار الأجانب بهذا الأثر المعماري الفريد فيقول “عندما التقيت بباحثي الآثار في اليابان عام 1989 في حفل افتتاح معرض كنوز الآثار السورية بمدينة هيروشيما قال لي أولئك الباحثون إننا نحلم برؤية غروب الشمس على معبدي بل وبعل شمين وبشارع الأعمدة في تدمر فذلك من أجمل المناظر على الاطلاق”.

وعن مراحل الترميم التي شهدها معبد بعل شمين يوضح القيم “إن ورشات الآثار في سورية قامت منذ نحو خمسين عاما بترميمه وفق دراسات وآراء المؤرخين والأثريين الذين زاروا المنطقة وقاموا بتوصيفها منذ القرن السابع عشر الميلادي وبالتالي توصلوا إلى رؤية شمولية وفق كل الترجمات والكتابات المكتشفة في تدمر منذ ذلك الحين إلى اليوم”.

4وعند الحديث عن معبد بعل شمين وسواه من الأوابد التدمرية لا بد من الحديث عن الشهيد الباحث الأثري خالد الأسعد كما يوضح القيم مشيرا إلى “الدور الكبير الذي لعبه الشهيد في أعمال التنقيب بمعبد بعل شمين إضافة إلى تعاونه مع الدكتور الراحل عدنان البني والباحث صالح الطه ورئيف الحافظ ومجموعة من الأثريين” لافتا إلى أن “الأعمال الترميمية التي بدأت في ستينيات القرن الماضي استمرت عقدين من الزمن وفق الامكانيات المتاحة والرؤية الشمولية لاتمام عمليات الترميم مع مراعاة الواقع بعيدا عن الاجتهادات الافتراضية التي تنافي المنهج الآثاري وآراء علماء الآثار الذين اعتمدوا إلى دقة معرفية وإدارية مع مراعاة الوظيفة الدينية والاجتماعية للمعبد”.

وإلى جانب بعل شمين هنالك معابد وأوابد كثيرة في تدمر بحسب القيم يوجد حولها وامامها تماثيل ونصب تذكارية وشارع رئيسي منحوت بالنقوش إضافة إلى طريق الإله العظيم المقدس وهي تشمل أماكن عبادة لكل العائلات والقبائل حيث لكل عائلة مكان خاص في المعابد للاجتماع والقيام بالمناسبات المختلفة السعيدة والحزينة.

ويلفت عضو اللجنة الوطنية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونيسكو” إلى أنه “رغم كل التنبيهات التي أطلقتها هذه المنظمة من المخاطر التي يتعرض لها التراث الثقافي السوري فإنها لم تحد من ارتكاب الإرهابيين لأعمال التدمير والتخريب والتي شملت مؤخرا تمثال أسد اللات ومعبد بعل شمين”

مبينا أن هناك “معانيا اجتماعية ونفسية تدل عليها تلك الأوابد العظيمة من إغاثة الملهوف وحماية المظلوم وعدم القتل وارتكاب الجرائم وهي التي تدل عليها تلك الآثار والتي وجدت في الإسلام الحقيقي فيما بعد”.

ويدعو الباحث السوري “الهيئات والمؤسسات العلمية والعالمية والثقافية ألا تكتفي بالتنديد والاستنكار بل يجب أن يكون هناك حماية كاملة لمثل هذه الصروح” مشيرا إلى “دور الأهالي في الحفاظ على حضارتهم لأنها تمثل الجزء الأهم من هويتهم العربية السورية منذ مليون عام حتى الآن ولا بد من الحفاظ عليها”.

وكان تنظيم “داعش” الإرهابي أقدم على تفجير معبد بعل شمين الذي يقع في الحي الشمالي من مدينة تدمر الأثرية بإدخال كمية كبيرة من المتفجرات إلى داخل المعبد وتفجيرها دفعة واحدة.