الشريط الإخباري

العام ٢٠٢٢.. حرب القمم والصراع على النفوذ..بقلم: عبد الرحيم أحمد

التنافس الجيوسياسي بين القوى العالمية كان على أشده في العام 2022، ففي الوقت الذي تتصارع الولايات المتحدة مع روسيا على الأرض الأوكرانية، تتحرك الصين التي تتعرض لضغوط أمريكية في تايوان والمحيط الهادئ، لتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط الذي شكل على مدى عقود مكاناً للتفرد والهيمنة الأمريكية.

تجمع التحليلات الغربية على أن النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط والعالم بدأ يتآكل مع اشتداد وتيرة الصراع مع كل من الصين وروسيا، ودليلهم في ذلك الانسحاب الأمريكي المذل من أفغانستان وفشل واشنطن في حشد العالم ضد موسكو على خلفية الحرب في أوكرانيا، وكذلك الصعود الصيني الاقتصادي وتمدده في الشرق الأوسط وأفريقيا على حساب الانكماش الأمريكي.

ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي وأحد منظري السياسة الخارجية الأمريكية، حذّر من تراجع نفوذ الولايات المتحدة في العالم مع بروز ملامح النظام العالمي الجديد بسبب عودة التوترات بين القوى العظمى بعدما ساد الاعتقاد في كثير من الأحيان أن تلك التوترات قد تنتهي بنهاية الحرب الباردة.

وأشار إلى أن واشنطن تجد نفسها اليوم في موقف يجب عليها أن تواجه فيه قوتين معاديتين معاً، هما روسيا والصين، وقوتين إقليميتين هما إيران وكوريا الشمالية.

هذا الأمر دفع واشنطن لإعادة تأكيد حضورها وخصوصاً بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، فعمدت إلى حشد حلفائها في الناتو وخارجه ضد روسيا التي عززت حضورها في الشرق الأوسط والمتوسط منذ عام 2015 بدخولها الحرب إلى جانب الدولة السورية في مواجهة الإرهابيين وكلاء واشنطن، وإقامة قواعد عسكرية متقدمة على المياه الدافئة ونشر أسطولها المزود بصواريخ فرط صوتية متطورة في المتوسط.

الصراع على النفوذ تصاعد في شهر حزيران إذ شهد انعقاد ثلاث قمم، واحدة للناتو في مدريد وأخرى للأمريكيتين في لوس انجلوس وثالثة للبريكس في بكين.

فقد حشدت واشنطن بعد تصاعد الحرب الروسية-الغربية في أوكرانيا دول الناتو في مدريد(حزيران 2022) لتعزيز قوة الحلف في مواجهة موسكو ووضع استراتيجية جديدة حتى عام 2030 وفتح الباب أمام انضمام كل من فنلندة والسويد والتعهد بتقديم المزيد من السلاح لأوكرانيا.

وخلصت القمة إلى اعتبار “روسيا هي التهديد الأكثر أهمية والمباشر لأمن الحلفاء”، وأن “تعميق الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين يشكل تحدياً لمصالح الحلف”.

كما سارعت الولايات المتحدة لعقد قمة الأمريكتين التاسعة مطلع حزيران 2022 بهدف تعزيز سطوتها على القارة الأمريكية الجنوبية ومنع تغلغل النفوذ الروسي بعد فوز ساحق لليساريين في أكبر الدول الأمريكية، لكن القمة تعرضت لهزات قوية قبل أن تبدأ، إذ أعلن الرئيس المكسيكي مقاطعتها بسبب رفض واشنطن دعوة رؤساء كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا.

وجاءت قمة البريكس الافتراضية التي استضافتها بكين في نفس الشهر للتأكيد على توسع النفوذ الروسي الصيني الصاعد وخصوصاً مع تردد أنباء قوية عن نية إيران وتركيا والسعودية والأرجنتين الانضمام إلى التحالف الاقتصادي الكبير الذي يشكل قوة اقتصادية كبيرة تقوم على الشراكة والانفتاح في مواجهة التحالفات التي تقودها واشنطن.

وبعد جفاء واضح بين الولايات المتحدة والسعودية، شد الرئيس الأمريكي جو بايدن الرحال إلى الرياض (تموز 2022) في محاولة منه لتأكيد الحضور الأمريكي من جهة، ومواجهة أزمة الطاقة التي بدأت تلوح في أوروبا والعالم جراء العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على النفط والغاز الروسي من جهة ثانية، باعتبار الرياض ودول الخليج أحد أهم مزودي الطاقة في العالم.

لكن بايدن عاد بخفي حنين، فهو لم يستطع الحصول على تعهد من السعودية برفع حجم إنتاج النفط، ولا استطاع أن يسحب الدول الخليجية إلى الاصطفاف مع واشنطن ضد موسكو وحافظت دول الخليج على موقف مستقل من الحرب الروسية الأوكرانية، ما اعتبر سابقة في العلاقة الخليجية الأمريكية.

وأرادت الولايات المتحدة الاستثمار في “التهديد الإيراني” الذي يجري التهويل به منذ سنوات، لإنشاء ناتو عربي-إسرائيلي ضد طهران، لكنه هو الآخر دخل في سبات أيضاً بعد أن روج له الملك الأردني عبد الله الثاني ودعمته واشنطن بقوة.

وفي مقابل زيارة بايدن إلى الرياض عقدت بعد أيام قليلة القمة الروسية الإيرانية التركية في طهران، للتأكيد على أن النفوذ الأمريكي في المنطقة أمامه تحديات، وأنه من غير المقبول بعد اليوم استباحة الولايات المتحدة للعالم ومنطقة الشرق الأوسط بالتحديد دون الأخذ بالحسبان مصالح القوى الأخرى.

ولم تكتف الصين وروسيا بذلك بل عقدت قمة دول منظمة شنغهاي للتعاون (منتصف شهر أيلول 2022) في أوزبكستان بمشاركة قادة روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وباكستان والهند وأوزباكستان إضافة إلى دول مراقبة هي بيلاروسيا ومنغوليا وإيران ودول مدعوة هي تركيا وتركمانستان وأذربيجان لتعزيز التعاون التجاري والصناعي وتطويره، وكذلك مناقشة أبرز المشاكل الإقليمية والعالمية ومنها التحديات التي فرضتها الحرب الروسية الغربية في أوكرانيا.

ويرى الكثيرون أن القمة محاولة صينية روسية لتعزيز الحضور الأوراسي في مواجهة النفوذ الغربي الأمريكي المتمدد باتجاه الحدود الروسية الصينية، ومساحة للحوار وبناء العلاقات على أساس من العدالة والتعاون والشراكة بهدف إيجاد تحالفات قادرة على إزاحة الهيمنة الغربية اعتماداً على القدرات الذاتية للدول الإقليمية الكبرى بدعم من روسيا والصين.

لكن واشنطن التي انتبهت إلى التمدد الروسي الصيني في القارة الأفريقية استفاقت على أهمية القارة في بعدها الاقتصادي والسياسي بعد إهمال لسنوات، واستضافت القمة الأمريكية الأفريقية الثانية منتصف كانون الأول 2022 بعد ثماني سنوات على أول قمة عقدت في عهد الرئيس باراك أوباما عام 2014.

وحذّر وزير الدفاع الأمريكي أمام القمة من أن النفوذ الصيني والروسي “يمكن أن يكون مزعزعا للاستقرار” فيها.

وتعهدت الإدارة الأمريكية في القمة “تخصيص 55 مليار دولار للاستثمار في أفريقيا على مدى ثلاث سنوات” بحسب البيت الأبيض، ودعم واشنطن لحصول أفريقيا على مقعد دائم في مجلس الأمن، في محاولة لاستمالة القارة السمراء بعيداً عن موسكو وبكين.
لكن ختام حرب القمم في العام 2022 كان مقلقاً للغاية لواشنطن، فقد جاءت القمم العربية الصينية الثلاث (كانون الأول 2022) التي عقدها الرئيس الصيني شي جين بينغ في المملكة العربية السعودية (القمة العربية-الصينية والقمة الخليجية-الصينية والقمة السعودية-الصينية) والشراكات الاقتصادية الاستراتيجية التي تم التوصل إليها، ضربة موجعة لواشنطن التي كانت إلى وقت قريب جداً تعتبر دول الخليج العربي بقيادة السعودية مجالها الحيوي الخالص في الشرق الأوسط.

وشكلت زيارة الرئيس الصيني إلى الرياض صدمة كبيرة لواشنطن خصوصاً أن القمة أكدت على التزام الدول العربية الثابت بمبدأ الصين الواحدة، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، في ضربة قوية للمحاولات الأمريكية دعم استقلال تايوان عن الصين وزعزعة استقرارها.

بلا شك إن حرب القمم هي صراع محموم على النفوذ والمصالح، وإن كان يخلو من أصوات المدافع والطائرات والصواريخ، فالكثير من الحروب الحديثة أشد شراسة من الحروب العسكرية وقد برعت واشنطن فيها على مدى عقود، لكن الوقت اليوم ليس في صالحها.

انظر ايضاً

نقل الحرب إلى داخل روسيا لمصلحة من؟… بقلم: عبد الرحيم أحمد

لم تكن المحاولة الأوكرانية استهداف مبنى الكرملين بطائرات مسيرة مطلع شهر أيار الجاري محاولة جديّة