ما بين باريس والإرهاب .. بقلم: عبد الرحيم أحمد

هل ينبغي أن نتفاجأ بموقف باريس مما يجري في سورية بعد هذه السنوات من انخراطها هي وواشنطن وأنقرة بدعم الإرهابيين فيها والدفاع عنهم في المحافل الدولية وتبنّي اتهاماتهم وتلفيقاتهم ضد الحكومة السورية؟ أم علينا أن نتوقع الأسوأ؟

لقد أدرك السوريون خلال سنوات الحرب الإرهابية التي شنت على بلدهم مع بداية عام 2011، أن الإرهاب الذي يتعرض له وطنهم لم يكن وليد الجغرافيا السورية وحدها، وأنه لم ينبت ويشتد عوده بدون الدعم المادي والعسكري والإعلامي الذي وفرته له الدول الاستعمارية كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ومعها دول عربية وإقليمية على رأسها تركيا.

والكل يعلم أن الدعم الإعلامي والسياسي الذي وفرته الدول الاستعمارية للتنظيمات الإرهابية كان بمثابة شريان حياة لتلك التنظيمات، إذ حولتها من تنظيمات إرهابية ينبغي محاربتها محلياً ودولياً، إلى «دعاة حرية» وألبستها ثوب «الثوار» عنوة عن الواقع وتزويراً لكل الحقائق على الأرض.

فمنظمة «الخوذ البيضاء» الإرهابية التي اعتمدت عليها دوائر صنع القرار في العواصم الغربية وكذلك الصحافة الغربية لتزويدها بالفيديوهات والصور المفبركة عن الوضع في سورية، هي صناعة بريطانية تمويلاً وتدريباً وتوكيلاً بتنفيذ الأجندات الغربية ضد الحكومة السورية والجيش العربي السوري، وهذا الأمر مثبت ومعروف عالمياً ولا يحتاج منا اليوم إلى عرض الأدلة والبراهين.

لكن من المفيد اليوم مع استغلال عواصم غربية- ومنها باريس- مقاطع فيديو تدّعي أنها لمجزرة حصلت في حي التضامن الدمشقي، العودة بالذاكرة إلى عام 2014 وتذكير العالم بفيديو انتشر على اليوتيوب كالنار في الهشيم تحت عنوان «طفل بطل من سورية» يصور طفلاً لا يتجاوز ربما العاشرة من عمره يخاطر تحت رصاص قناص لينقذ فتاة أصغر منه سناً.

وسائل الإعلام الغربية التي تدعي المصداقية والحيادية تناقلت آنذاك المقطع وقالت: «إنه من مدينة حلب ويظهر تعرض الأطفال في سورية للاستهداف من قبل الجيش السوري»!من دون أن تكلّف نفسها التحقق من صدقيّة الفيديو وخصوصاً أن مصدره وسائل التواصل الاجتماعي التي تفتقر دوماً للمصداقية.

ولم يتوقف الأمر على وسائل الإعلام الغربية بل إن وزارة الخارجية الأميركية التي تبحث دائماً عن أي سبب لتشويه صورة الحكومة السورية، بثت جرعة زائدة في الحملة الدعائية لمقطع الفيديو بأن وضعته على صفحتها على تويتر وعنونته بـ «طفل بطل ينقذ فتاة من رصاص قناص الجيش السوري»..!!

وبعد أن استقطب المقطع ملايين المشاهدات اعترف المخرج النرويجي لارس كليفبرغ أن الفيديو جزء من فيلم قام بتصويره في أيار 2014 في جزيرة مالطا، وأن الفتى والفتاة ممثلان محترفان من الجزيرة أيضاً، وأن الأصوات المرافقة هي دبلجة لأصوات لاجئين سوريين في الجزيرة، لكن الفيديو كان قد فعل فعلته في الإساءة لسورية وجيشها ولم يعد بالإمكان ترميم الجروح التي تسبب بها.

مناسبة الحديث عن التضليل الإعلامي الغربي المستمر ضد سورية منذ عشر سنوات ونيف والذي تعددت فنونه وأشكاله من الكيماوي إلى القصف الجوي، وارتباط هذا التضليل الوثيق بين العواصم الغربية ودعم الإرهاب في سورية، هو الفيديوهات التي تستخدمها الدول الغربية وخصوصاً فرنسا هذه الأيام لإدانة الحكومة السورية تحت عنوان «مجزرة التضامن» والتي تشبه فيديو «القناص» الذي ثبت أنه تمثيل وتلفيق.

نعم.. عندما يريد الغرب تشويه سمعة أي دولة أو حكومة فهو لا يعدم الوسيلة بل يخترعها ويفبركها ويتعامل معها على أنها «حقيقة لا تقبل الشك»، وكلنا يتذكر كذبة وزير الخارجية الأمريكي «كولن باول» الشهيرة عام 2003 في مجلس الأمن حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، والكذبات العديدة عن استخدام الجيش السوري السلاح الكيميائي، وكذبة محاربة الولايات المتحدة لتنظيم داعش الإرهابي.

لن نبحث كثيراً للتحقق من صدقية «فيديو التضامن» في زمن «الزيف العميق» الذي اخترعه الغرب، ولن نتوقف للبحث في أسباب تحركات الحكومة الفرنسية الجديدة لتشويه صورة الدولة السورية، فكلنا يعلم دور باريس وشراكتها مع واشنطن في دعم الإرهاب وترويج الأكاذيب وتضليل الرأي العام العالمي في ما يخص الأوضاع في سورية.

الحرب لم تنتهِ بعد وإن كانت سورية قد كسرت مخطط الغرب واستطاعت أن تقضي على العمود الفقري للإرهاب، وحملة التلفيقات الجديدة هي جزء من هذه الحرب المستمرة، والعواصم الغربية مازالت تراهن على بقايا الإرهابيين وتحلم بأن تستعيد بأكاذيبها حملة ضغوط جديدة مع الحصار الاقتصادي لإطالة الأزمة في سورية ومنعها من استعادة عافيتها.

متابعة أخبار سانا على تلغرام https://t.me/SyrianArabNewsAgency

انظر ايضاً

نقل الحرب إلى داخل روسيا لمصلحة من؟… بقلم: عبد الرحيم أحمد

لم تكن المحاولة الأوكرانية استهداف مبنى الكرملين بطائرات مسيرة مطلع شهر أيار الجاري محاولة جديّة