الشريط الإخباري

عيد الجلاء.. ذكرى ملحمة وطنية مليئة بدروس الشجاعة سطرها الأجداد بكفاحهم ودمائهم

السويداء-سانا

في ذكرى جلاء آخر جندي للمستعمر الفرنسي عن أرض سورية يستذكر السوريون ملاحم البطولة والتضحية والصمود التي سطرها الأجداد الذين رفضوا المساومة على وطنهم ووحدة ترابه وشعبه وصنعوا الاستقلال تاركين للأجيال القادمة تاريخاً وإرثاً نضالياً زاخراً بالبطولات والأمجاد والقيم الوطنية.

الجلاء الذي يمثل محطة تاريخية خالدة في ذاكرة كل السوريين على حد سواء يرى فيه أبناء السويداء خصوصية لهم لكون محافظتهم شكلت نواة الثورة السورية الكبرى التي أثمرت عن تحرير تراب الوطن من رجس المستعمر الفرنسي مستلهمين من إرث الأجداد النضالي وكفاحهم معاني البطولة والتضحية للسير على نهجهم وصون وحدة وسلامة أرض الوطن واستقلاله.

الجلاء الذي صنعه السوريون بتضحياتهم وتكاتفهم ومآثرهم البطولية جاء ثمرة تعاظم الثورات في مختلف مناطق سورية كما يشير الباحث محمد طربيه رئيس فرع جمعية العاديات بالسويداء من ثورات الدنادشة والشيخ صالح العلي وإبراهيم هنانو ومحمد الأشمر وغيرهم الكثير حتى توجت بالثورة السورية الكبرى التي أسند الزعماء الوطنيون قيادتها للمجاهد سلطان باشا الأطرش وسموا عبد الرحمن الشهبندر أمين سرها والناطق باسمها فكان شعارها “الدين لله والوطن للجميع” حيث كبدت هذه الثورة الفرنسيين خسائر كبيرة في الأفراد والعتاد ولاسيما في معركتي الكفر والمزرعة وغيرها.

وعقب توقيع معاهدة عام 1936 لإنهاء الانتداب ظل المستعمر يراوغ التنفيذ فاستمر النضال بأشكاله المختلفة العسكري والسياسي حتى توج بالجلاء في الـ 17 من نيسان عام 1946 كما يذكر طربيه مع إشارته إلى أن محافظة السويداء جلا عنها الفرنسيون في الـ 29 من أيار عام 1945 أي قبل نحو عام وذلك عندما قام ثوار بأسر قائد المنطقة العسكرية “سارازان” في قلعة السويداء ورفعوا العلم السوري عليها ليتكرر ذات المشهد في شهبا وصلخد وازرع.

كفاح الأجداد الذي عمدوه بالتضحيات والدماء وبالصبر على الشدائد تجلت فيه اللحمة الوطنية بأبهى مظاهرها كما يلفت رئيس فرع جمعية العاديات حيث “لم يرتض أحد من الزعماء الوطنيين ولا سيما المجاهد سلطان الأطرش بانتصار جزئي أو محلي وإنما أصروا على أن تراب الوطن واحد ولا بد من تحريره كاملاً” مؤكداً أنه “كما صمد أهلنا في الماضي سيقف السوريون اليوم وقفة حازمة للحفاظ وحماية التراب الوطني والوحدة الوطنية ومقاومة كل مخططات التجزئة والتقسيم والاحتلال”.

الأجداد الذين سطروا أعظم الملاحم والبطولات و التضحيات لم يرتضوا أن تدنس أرض وطنهم كما تلفت المهندسة هيام القطامي حفيدة المجاهد عقلة القطامي أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة السورية الكبرى ورفيق ومستشار قائدها سلطان الأطرش فكان أهلنا ورغم ما كانوا يقاسونه من شظف الحياة والفقر يدخرون ما يستطيعون حتى يشتروا السلاح لمقاومة المستعمر الفرنسي والدفاع عن الأرض والعرض فخاضوا اعتى المعارك ببسالة وشجاعة دون مهابة رغم فارق العديد والعتاد وكبدوا جحافل المستعمر الفرنسي أكبر الخسائر متسلحين بإرادتهم وإيمانهم وعقيدتهم ومبادئهم.

ملاحم صمود الثوار وعلى رأسهم سلطان الأطرش ورفاقه من زعماء الثورة وعائلاتهم حينما قصدوا وادي السرحان في الصحراء بين الأردن والسعودية حين اشتد عليهم الضيم لا تزال ماثلة في الأذهان كما تلفت القطامي مبينة أنهم كابدوا الجوع والعطش ورفضوا التخلي عن نضالهم ومبادئهم و مواقفهم الوطنية والمساومة على تراب ووحدة سورية.

وتستذكر القطامي وصية قائد الثورة السورية الكبرى سلطان الأطرش حينما التقوه بأن حربهم لصون الاستقلال ستكون أكبر من حرب أجدادهم مشيرة إلى أن هذه الوصية أمانة في أعناق كل أبناء سورية الشرفاء ولاسيما في الوقت الذي يتعرض فيه بلدنا لحرب إرهابية واقتصادية تحتاج من الجميع استلهام العبر من الماضي و الإرث النضالي وهو ما جسده أحفاد أولئك المجاهدين في غير مكان على امتداد الوطن ومنها خلال سنوات الحرب الإرهابية الظالمة

حيث وقف أبناء السويداء شيباً وشباباً إلى جانب الجيش العربي السوري في التصدي للتنظيمات الإرهابية فضلاً عما سطره بواسل جيشنا والقوى الرديفة من بطولات وتضحيات على امتداد ساحات الوطن دفاعا عنه.

الإرث النضالي الذي سطره المجاهدون القدماء بدمائهم وتضحياتهم شكل على الدوام مدرسة للأحفاد للسير على خطاها ومنهم أبطال الجيش العربي السوري وشهداؤه الأبرار الذين يجسدون مقولة خير خلف لخير سلف ومنهم الشهيد البطل العقيد باسم الشمعة من مدينة صلخد سليل الآباء والأجداد الذين صانوا الأرض كما تلفت زوجته فاتن عماد بالقول إن “باسم كان مثالاً للبطولة والرجولة والإقدام والتضحية في مواجهة التنظيمات الإرهابية حتى نال شرف الشهادة في محافظة الحسكة عام 2013” مشيرة إلى أن للشهيد ثلاثة أبناء تحرص على تربيتهم كما أراد والدهم البطل على حب الوطن والأرض والشجاعة والفداء الذي يتوارثه الأبناء عن الآباء والأجداد بالدم.