الخيار الواقعي أمام الإدارة الأمريكية

ما أوردته بعض التقارير الإعلامية حول تغيير في الموقف الأمريكي من الأزمة السورية، تمهيداً لعودة ملفها الى طاولة جنيف، يحمل قدراً من الصحة، على الرغم من أن الإدارة الأمريكية لم تُعلن رسمياً عن ذلك، وأن موقفها المعلن مازال تسليح إرهابييها المعتدلين لمحاربة داعش، وماتسميه «النظام السوري»!!، ففي داخل هذه الإدارة يوجد، كما يبدو، تيار بات يفضّل التعاون مع الحكومة السورية في مواجهة داعش. تؤكد ذلك مذكرة وزير الدفاع الأمريكي هيغل الأخيرة الى سوزان رايس بهذا الخصوص، ومن الطبيعي أن تتنامى قوة هذا التيار في ظل النتائج الهزيلة التي حققها التحالف الدولي بقيادة أمريكا في حربه على التنظيم الإرهابي، وانكشاف عقم استراتيجيته باعتبارها استراتيجية ناقصة وغير فعالة.

ثمة على الأقل عاملان أساسيان يفرضان على الأمريكيين تغيير موقفهم من الأزمة السورية، ولو بشكل تدرّجي وبطيء، أولهما اقتناعهم بأن خيار التخلّص من الحكم الوطني المقاوِم في سورية بالوسائل العسكرية الإرهابية قد سقط نهائياً، ولم يعد واقعياً. وثانيهما إدراكهم المتزايد أن جهود القضاء على الإرهاب الذي أصبح أولوية دولية ضاغطة، لن يُكتب له النجاح إلّا بالتعاون مع سورية المؤهلة عسكرياً لهذه المهمة.

لكن تغيير الموقف الأمريكي لايعني التسليم بالهزيمة السياسية في حرب مصيرية ستتحدّد بنتيجتها الملامح النهائية للنظام العالمي وموقع الولايات المتحدة فيه، ولكنه يعني العودة الى خيار الحل السياسي للأزمة السورية من منطلق جدّي وواقعي هذه المرة، يأخذ في الحسبان حقائق الوضع السياسي والميداني في سورية، والتي تؤكد قوة الموقف الحكومي، والتطور الدراماتيكي للحدث الإرهابي في المنطقة، وموازين القوى الإقليمية والدولية في صراعاتها.

ومن هنا يمكن القول: إن عدم إعلان الإدارة الأمريكية رسمياً عن تغيير موقفها هو بهدف الاستثمار السياسي في أي مفاوضات مقبلة مع الحكومة السورية، فضلاً عن أن التيار المتصهين في هذه الإدارة مازال يأمل في عرقلة التغيير، ويصرّ، مع الحلفاء الإقليميين، على أن يبقى إسقاط «النظام السوري» أولوية أمريكية حتى قبل أولوية محاربة داعش…

ولن يطول الأمر بإدارة أوباما، والتي لا تخفي حاجتها الاستراتيجية، كما تثبت مفاوضاتها النووية مع إيران، إلى إعادة بناء علاقاتها الإقليمية، حتى تحزم أمرها، وتذهب الى الخيار الواقعي الوحيد، خيار الحل السياسي للأزمة السورية، والقبول بالدولة الوطنية السورية شريكاً أساسياً في محاربة الإرهاب، على الرغم من كل ماسيثيره ذلك من جنون العصابة الصهيونية الأردوغانية السعودية القطرية.

بقلم: محمد كنايسي