الشريط الإخباري

عزمـنـا الــتـــام

ربما كان اختيار اسم “العزم التام” للحملة الأمريكية هو الأكثر دلالة خلال الأيام الماضية على نية واشنطن الحقيقية لبدء حصاد ما زرعته في بلادنا بواسطة “داعش” وغيره، وعزمها التام على الاستمرار في محاولتها الدائمة، وفق التعبير الدبلوماسي لـ “سيرغي لافروف”، “معاقبة الدول التي لا توافقها في الرأي”، وربما كان اختيار بعض المجموعات المسلحة في جنوب سورية والمشهورة بارتباطها، سلاحاً ومالاً وفكراً، بقوى عربية وإقليمية معينة، اسم “أهل العزم” لحملتهم الجديدة، أكثر دلالة على تماهي بعضنا مع المحتل، و”عزمه التام” أيضاً على خدمته.

وبين إرادة الخارج، ومسارعة بعض الداخل، المحلي والعربي، إلى الإذعان والموافقة والتنفيذ، تستعيد بعض الأسئلة حرارتها لتصبح أكثر راهنية، يأتي على رأسها موضوع العلاقة بين السياسة والحرب، باعتبار الأخيرة، كما يعرف الجميع، امتداداً للأولى بوسائل أخرى.

وإذا كنا نعرف السياسة التي تقف خلف حرب واشنطن هذه، فإن السؤال الرئيسي هو: ما هي تلك “السياسة” التي تدفع بعضنا، ليس المحلي فقط بل العربي أيضاً، للسير في ركابها، خاصة وأننا نرى هذا البعض أكثر حقداً وإصراراً على أن تكون “حربه” ضدنا إلغائية بالمطلق، متجاوزاً بذلك حقيقة بديهية تقول: إن النتائج السياسية المبتغاة لأي حرب تحتاج إلى أن يبقى بعض الأعداء، على قيد الحياة لتحقيقها، أما حرب الإلغاء المجنونة التي يشنها هؤلاء، توضح، بما لا يدع مجالاً للشك، أن لا سياسة خلفها أو أمامها، بل مجرد عمليات قتل وإبادة مجرمة، تنم عن عقلية إقصائية سادية بالمطلق.

وللتاريخ، فإن هذا “البعض” كان مستعداً دائماً للمساهمة في حروب واشنطن حيثما وقعت، وإذا كانت بعض مساهماته معلنة ومعروفة، مثل أفغانستان والعراق وقبلهما “نادي السفاري” الشهير، فإن البعض الآخر منها ينتظر فتح ملفات أجهزة المخابرات الغربية، وزلات لسان المسؤوليين الأمريكيين كما فعل “جو بايدن” مؤخراً، بيد أن أحداً لا يشك لحظة واحدة في عمق مساهمتهم بالحرب على كل “لمعة” ضوء في تاريخنا سواء كانت سياسية أم فكرية أم اجتماعية.

والحق فإن بعضنا، ولأسباب تاريخية شتى، رحّب ولا زال يرحّب، بل ويهلل للمحتل، وأكثر من ذلك، يؤمن أن بقاءه يعتمد على إرادة وقرار هذا المحتل ذاته، لذلك يصبح من النافل الغوص في تفسير حربه على الداخل والخارج معاً، ويصبح من المفهوم استعداد “بعض العرب” لفعل كل شيء ضد سورية ومن يقف في صفها من الحلفاء الإقليميين والدوليين، وبالتالي فإن قضية “تكسير” أسعار النفط الحالية ليست سوى جزء صغير من هذا المسار المتكامل، فيما كان “وزيرهم الأكبر” يستهجن سابقاً مجرد الطلب باستعمال النفط بمواجهة “إسرائيل” لتوقف غيّها ضد من يفترض أنهم إخوته في الأرض والعقيدة والتاريخ والمستقبل، ومبرره أن النفط “ليس سلاحاً” وأن فكرة استخدامه “فقدت قيمتها”، لنرى اليوم أن الفكرة ذاتها استعادت قيمتها ما دام “الوحي” قد جاء من الغرب هذه المرة.

والحال، إنه عصر نشر الفوضى والجريمة، عصر لا يخجل به بعض “الزعماء” من تبييض صفحة إرهابيين محددين برغم القرار الأممي الذي يصمهم بالإرهاب، وبرغم غرام هؤلاء “الزعماء” المعلن بالقرارات الدولية والمجتمع الدولي. عصر يصف فيه “رجل دين” خليجي نتائج تفجير انتحاري في اليمن بقوله “كم هو جميل أن يرى شخص منظراً في غاية الروعة فيساهم في نشره ليتمتع به الغير”!!، دون أن يجد من يسائله، مجرد مساءلة، بتهمة نشر الإرهاب والترويج له وفق القرارات الدولية ذات الفصل السابع.

ولنعترف، الحرب هي الحالة الطبيعية للبشرية، أما السلام فهو استثناء، وبالتالي قدرنا الوحيد أن نواجه دائماً “روم الخارج وروم الداخل” لنبقى ونستمر، وعلى ذلك يجب أن يستقر “عزمنا التام” مقابل عزمهم الواضح والنهائي ليس على استعبادنا فقط، بل وإبادتنا أيضاً.

بقلم: أحمد حسن