الشريط الإخباري

حديث الصور

الصور التي تتراءى أمامك وأنت تقلب صفحات الذكريات هي ما تبقى منك وأنت تتقدم في العمر، قد يدهشك الطفل الذي كنته هناك بين الصخور المرتفعة كحلمك الذي لم يتحقق وقد ينتابك الذهول والخوف إذ كيف أنقذتك الرحمة الإلهية من الموت حين كنت تسقط عن تلك الصخور وتهوي إلى الأرض، هذه الصور هي علامات سيرتك التي أمضيتها وليس لك منها سوى أنها تحدثك عن ملامح تلك السيرة المليئة بالتضحية والمرارة والعذاب والقهر، نعم هذه صورة طفلك الذي بنيت عليه أملك كي يحقق من حلمك ما لم تستطع أن تحققه هو نفسه الشاب الذي اختطفت حياته النيران والرصاص الأعمى، أو هو نفسه الذي خيب أملك ونظر إليك على أنك بقيت عاجزاً عن أن تحقق أمله وتوفر له ما يكفي كي يعيش على الطريقة التي يريد، وهي الصورة نفسها لطفلتك التي تتجول الآن في أروقة الجامعة وتضع يدها بيد من اختارته دون أن تقيم لرأيك قيمة أو وزناً، هذه الصور كلها أمامك وحديثها إليك لا يهدأ وأنت تقلب ما تبقى من خيباتك على الورق، عفوت وتجاوزت وتغاضيت وتراجعت وساومت لأنك لا تقوى أن تواجه من تحب وأنت ضعيف أمام من تحب، هكذا أنت فكيف تبوح بضعفك أمام من يعتبر هذا الضعف عجزاً وفشلاً وانكفاء، هذه صورة أمك التي تنتظر يومها الأخير عاجزة عن أن تضمك إلى صدرها وأنت الجد الذي يسكب دموعه وحيداً على شرفتك المهجورة.

هذه صورة البيت الذي بنيته بتعبك وعرق جبينك بات رسما، ولم يبق لك منه سوى بقاياه على الورق، أعرف أنك تود أن ترمي الذاكرة وتتخلص من هذه الصور لكن حديثها ما زال يثير في داخلك مشاعر أقوى وتتمنى أن تستمر في الإصغاء لتلك الصور هذه صورة عرسك صورة من اخترتها أنت من غير أن تقبل ملاحظة أو انتقاد أحد على اختيارك كما فعل ابنك أو فعلت ابنتك كأن الصورة تفضي إليك بالحكمة التي كنت تسمعها من جدتك (الحياة قرض ووفاء) يا إلهي! هل تختصر الحياة بجملة واحدة كهذه كما تختصر هذه الصور حياتك؟ والزمن الذي قضيته من عمرك في الدراسة والتحصيل العلمي كله بات هو الآخر على الورق؟!.

وهذه صورة المدينة التي عاشت فيك كما عشت فيها، هي على الورق كما كانت ولكن أصوات الرصاص أخذت منها عفتها وأمست متعبة كرفيقة عمرك التي غادرت شبابها وشاخت كما تشيخ الأشجار العالية! هذه المدينة لك فيها قصة حب وحياة وعمر انقضى ولكنه ليس بين هذه الصور غير أن الحديث يستمسك بأطراف الحديث فتأخذ الصور راحتها وتحكي لك عما ليس فيها عن الأصدقاء الذين غابوا أين هم الكتاب والشعراء والمنابر؟ أين الأشياء التي فقدناها؟ زمان الفرح الذي مضى لماذا لم نسجله على الورق حتى إذا عدنا إليه نبقى نحّن إلى صوره وحديثها الذي لا ينتهي.

بقلم: مفيد خنسه