الشريط الإخباري

المترجم عادل الديري يشعر بالمسؤولية كسوري مغترب تجاه تراث بلاده

دمشق – سانا

يعتز المترجم السوري المغترب عادل الديري بهويته التاريخية العربية السورية لما أنتجت هذه الأرض من عظماء تفوقوا في مجالات العلوم الإنسانية ما دفعه إلى العمل على مشروع وطني يضيء على الشخصيات الابداعية التي سكنت سورية عبر التاريخ وتعريف الأجيال الجديدة بها طامحا أن يسهم ولو بشكل متواضع في تطوير المحتوى العلمي والأدبي المكتوب باللغة العربية.3

وفي حوار مع سانا الثقافية تحدث الديري عن أهمية الترجمة في حياة الشعوب إذ يعتبرها قناة من قنوات التواصل العابرة للغات ومن الخطأ الاعتقاد بأن مهمة المترجم خاصة في ترجمة الوثائق التاريخية هي القيام بنقل الكلمات أو حتى المعنى الإجمالي للجملة من لغة إلى أخرى فحسب بل تتمدد مسؤوليته لتشمل أمانة إيصال المعنى ذاته في النص الأصلي ضمن ما كان يحمله في مكان وزمان كتابته ومن منظور نفسية وذاتية الكاتب..مؤكدا تعاظم دور الترجمة في عصرنا الحالي بدافع من قوة العولمة وتطور وسائل التواصل العابر للحضارات.

ويعود المترجم الشاب إلى البدايات عندما عمل من باب التجربة على ترجمة كتيب فلسفي بعنوان في حضرة السيد بغرض تطوير مهارات الترجمة لديه وهو في المرحلة الثانوية ثم دخل مجال الترجمة الفورية إلى جانب دراسته الجامعية في كلية العلوم بجامعة دمشق واستمر بالعمل في هذا المجال حتى بعد تخرجه بالرغم من أنه انتقل إلى العمل الإداري فترجم العديد من الدراسات والتقارير والأبحاث الاقتصادية والتنموية والإدارية ضمن مجال عمله كمترجم محترف.

وأهم الأعمال التي نقلته من مجال الترجمة كمهنة إلى مجال توظيفها كأداة لتنفيذ مشروع وطني هي سلسلة كتب سورية الحضارية التي تشمل أعمالا كتبها مؤلفون سوريون فلاسفة وشعراء وخطباء وأدباء وأطباء وروائيون عرب باللغة الإغريقية أثناء الحقبة الهلنستية وتم نقلها من الإغريقية القديمة إلى الإنكليزية في عصور مضت فعمل الديري على نقلها بدوره إلى اللغة العربية.

كما يعمل الديري المولود في بريطانيا عام 1984 على جمع المعلومات المتناثرة عن كتاب هذه السلسلة وتنسيقها وإخراجها بشكل مفهوم للقراء باللغة العربية ثم يأتي الدور المحوري لمساهمة الباحث تيسير خلف الذي يغني الكتاب بمعلوماته الموسوعية الموثقة وبملاحظاته الأدبية القيمة وبالضبط والتصحيح للمعايير التاريخية في كل كتاب.1

وصدر للديري حتى الآن من السلسلة كتاب حياة إيزيدور للفيلسوف السوري الدمشقي داماسكيوس الذي كتبه نحو العام 520 م من منشورات دار التكوين في دمشق واستغرقت ترجمته وتدقيقه ومراجعته ثلاثة أشهر.

ويعتبر الكتاب موسوعة لأهم الشخصيات التي عاشت واشتهرت في القرنين الخامس والسادس للميلاد في العالم القديم كما يعتبر توثيقا لحياة الفيلسوف إيزيدور على يد تلميذه الوفي الدمشقي داماسكيوس من خلال جولات على الكثير من مدن سورية والأردن ولبنان ومصر واليونان ووصف تلك المدن ومعتقداتها في تلك الحقبة.

ويعتبر كتاب هذا الفيلسوف الدمشقي حسب الباحث خلف الذي راجع الكتاب شهادة بالغة الصدق عن عصر كانت فيه سورية ومصر جزءا فاعلا من الحضارة الهلنستية وعبر استعراض أسماء الفلاسفة والأطباء الدمشقيين الذين ذكرهم المؤلف في طيات كتابه ندرك مقدار المساهمة التي قدمتها مدينة دمشق العريقة لتاريخ البشرية..كما يعتبر الكتاب من أنفس المصادر القديمة عن الأفكار والعادات والمعتقدات والطقوس التي كانت سائدة في الشرق القديم بلاد الشام ومصر على وجه الخصوص خلال القرن الخامس الميلادي ومن مزايا هذا الكتاب أنه أول من ذكر قصة الفيلسوفة وعالمة الرياضيات هيباتيا الاسكندرانية التي ذهبت ضحية التعصب الديني آنذاك .2

كما يؤرخ الكتاب لمرحلة تاريخية ولأحداث سياسية وصناع القرار فيها ويوضح المفاهيم والقيم المعتمدة في ذلك العصر وموقع المرأة في المجتمع ومدى نفاذ القانون في الإمبراطورية الرومانية بالإضافة إلى مستوى المعرفة السائد آنذاك في مجالات علم الطبيعة والبيئة والتغذية والطب.

وبالرغم من عدم تفرغه للترجمة يقوم الديري حاليا بإنجاز المرحلة الأخيرة من كتابه المترجم الثاني عن قصائد الشاعر السوري الجولاني المبدع ميلياغروس المولود عام 140 ق.م مع دراسة نقدية لهذه القصائد تحت عنوان “إن كنت سوريا..سلام” .. مؤكدا أنه لن يتوقف قبل استكمال عدد كاف من الكتب ضمن السلسلة بحيث تشمل على الأقل عملاً لكل فرع من العلوم والآداب تأكيداً على براعة السوريين وتفردهم في كل المجالات لا الفلسفة أو الشعر وحدهما.

ويوضح في هذا الصدد أنه منذ باشر العمل على هذه السلسلة أصبحت تشكل هاجسا لديه فيسرع بعد العودة مساء من عمله كمدير في شركة تأمين بمدينة السليمانية العراقية إلى عالم سورية الهلنستية الساحر لاستكمال العمل متمنيا أن يطلع أكبر عدد ممكن من السوريين والعرب على هذه السلسلة وعلى شخصياتها النادرة.

وبين الديري المجاز من المعهد الأمريكي لعلوم تأمين الحياة أن أهمية سلسلة سورية الهلنستية ككل تكمن في استعادة حقوق العرب السوريين فيما هي لهم من أعمال العظماء من أبناء سورية في تلك الحقبة وتذكير الجميع بعروبة دماء سكان سورية التاريخية رداً على من يحاول سلخ صفة العروبة عن سكانها في تلك المرحلة وتصوير العرب على أنهم دخلاء عليها تحت مسميات لا أساس لها من الصحة ومن جهة أخرى فهو ضرورة أخلاقية يمليها مبدأ العدالة لأن من يعمل على تتبع الترجمات التي مر بها هؤلاء وما أكثرهم يجد محاولات مدغمة ومحترفة لتهميش دور كل شخصية سورية وتجيير إنجازاتها لشخصية معاصرة من أصل غير سوري.4

ويختار الديري الحاصل على ماجستير إدارة أعمال من جامعة باريس دوفين الفرنسية ترجماته حسب الأولوية والأحقية إذ يبحث عن الأعمال السورية التي تعود إلى المرحلة الهلنستية التي حققت شهرة على مستوى العالم وعبر التاريخ لكن لم تحظ بما تستحقه من الترجمة والمعرفة بين قراء العربية وكم هي كثيرة وكم من المدهش أنها أعمال لكتاب عرب كتب بعضها قبل الميلاد والآخر في القرون الأولى للميلاد ومن المؤسف أنه لم يقدم أحد على ترجمتها إلى العربية حتى الآن.

ويتحدث كيف أصيب باكتئاب شديد بعد رؤية مشاهد تفجير معبد بعل شمين في تدمر ومن قبله تحطيم آثار نينوى ونمرود في العراق ما جعله يشعر بالمسؤولية كسوري مغترب تقع على عاتقه واجبات عديدة تجاه تراث بلاده وبأنه مقصر أيما تقصير ثم رأى أن يعرض خدماته ضمن مجال خبرته المهنية المتواضعة على من هو قادر على توجيهه لفعل ما هو مفيد للحفاظ على التراث السوري الغني وباعتباره كان متابعا حثيثاً لأعمال الباحث خلف بادر إلى التواصل معه وعرض خدماته عليه فوجهه واقترح الفكرة عليه ومنذ ذلك الحين وهو يوجه عمله ويدعمه.

وحول صعوبات مهنة الترجمة يوضح أن أشد الصعوبات تكمن في مستوى المسؤولية التي تقع على عاتقه كمترجم لمادة تاريخية ولذا فإنه يتعامل مع النص التاريخي كما يتعامل المنقب عن الآثار بعناية وحذر مع اللقى الأثرية معتمدا على تقاطع المصادر والتأكد من ضبط المعنى الأصلي للنص ومراجعة انسجام الترجمة مع السياق التاريخي للنص الأصلي وضبط الدقة في عملية مفتوحة النهاية.. ففي كتابه الثاني “إن كنت سورياً… سلام” مثلاً تمت ترجمة كل قصيدة من قصائد الشاعر السوري ميلياغروس من مصدرين مختلفين على الأقل حتى أن بعض القصائد تقاطعت من ثلاثة مصادر مختلفة.

وللارتقاء بالوعي عند الشباب وتعريفهم بحضارة بلادهم وما يحيق بها من مخاطر يرى الديري ضرورة إعادة إنتاج الفكر العربي في حلة عصرية يتقبلها الجيل الشاب وذلك بتحويل المعلومات القابلة للتحليل من الشكل النصي إلى الشكل التصويري أو السمعي ولا بد من البدء بجذب المهتمين من خلال جرعات من المعلومات القصيرة واللافتة والموثوقة متسلسلة منطقياً ومنتجة بطريقة مرئية أو سمعية سريعة بهدف فتح قابلية الشباب تجاه التعرف على ثقافة بلادهم وحضارتها وبالتالي كسر الحاجز بينهم وبين الكتاب ما يجب أن يفضي بنا إلى إقبال جديد على فهم هويتنا.. وكلما تعمقنا في القراءة والإطلاع فهمنا هويتنا بشكل أصح وادق وبالتالي ندرك عظمة عروبتنا قبل الإسلام بما لا يقل عما هو بعده.

سلوى صالح

تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :

https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency

تابعونا عبر تطبيق واتس أب :

عبر إرسال كلمة اشتراك على الرقم / 0940777186/ بعد تخزينه باسم سانا أو (SANA).

تابعوا صفحتنا على موقع (VK) للتواصل الاجتماعي على الرابط:

http://vk.com/syrianarabnewsagency