الشريط الإخباري

جامعة الدول العربية ونموذجها الليبي- الوطن العمانية

تحرك أمين عام جامعة الدول العربية نبيل العربي فجأة، ” رأف ” قلبه وهو يرى أطفالا بالجملة يتم دفنهم إلى جانب بعضهم في مدافن غزة، جاءت حركته في الوقت الضائع بعدما صمت طويلا أو قيل له أن يصمت، فكل مايحيط به جزء هام من عالم عربي متضامن مع العدو الصهيوني لايريد منه حراكا إلا عندما تنضج الظروف، ومعنى النضج هنا قتل أكبر عدد من الغزاويين وتدمير ما أمكن من القطاع، مشكلة جامعة الدول العربية أنها فقدت هيبتها ولسانها وتأثيرها منذ أن تحولت إلى لعبة بأيدي البعض، تأتمر بسياساتهم، وأحيانا تتحدث بمثل مايتحدثون. هكذا كانوا في سورية، وهكذا قدموا نموذجا لهم في مواقفهم من الحرب على سورية، لكنهم قبلا قدموا احترافا لامثيل له من التآمر على ليبيا، في لحظة كان فيها حلف الناتو يتقدم إلى الواجهة لتغيير الوضع الليبي بما يؤمن مصالحه، وكان يتقدمهم جميعا تلك الشخصية الصهيونية الفرنسية الملقبة بالفيلسوف وهي التي يتبرأ منها كل الفكر الإنساني ونعني بها برنارد هنري ليفي.
كان واضحا من أحداث ليبيا أنها بدأت تحت توجيه صارم من الحلف الأطلسي وفي تضامن واضح مع جامعة الدول العربية، ففي أقل من ثلاثة أيام من بدء الاضطرابات في ليبيا بشكلها المسعور، حتى هبط بشكل فجائي على الشوارع الليبية أكثر من خمسة عشر ألف علم مختلف عن العلم الليبي، أي العلم المرفوع حاليا، بل إن كما من السلاح بدا بأيدي الشعب الليبي، ثم تطور الأمر أن تم استحضار سريع لشتى التصرفات العسكرية التي باشر بتنفيذها من سمو بالثوار الليبيين مدعومين بالحلف الأطلسي وبتعاضد واضح وتغطية سياسية وإعلامية من جامعة الدول العربية وبتمويل من بعض أعضائها التي أيدت ذاك الحلف وقدمت له التغطية العربية ومنحته براءة ضميرها أن كان لها ضمير كي تفعل ماتشاء.
كانت الخطة الأولية للحلف المذكور هو فتح كافة المنافذ الممكنة لمن أطلق عليهم الثوارالليبيين الذين بدأ الحلف يساعدهم على تخطي فوضويتهم، والوصول بهم إلى الطريقة العسكرية المثلى. كان واضحا أن مخطط جامعة الدول العربية ـ أو على الأقل بعض النافذين فيها ـ تسليم ليبيا للحلف ليفعل فيها مايشاء، فكان أن أخضع هذا الحلف سماء ليبيا كلها للأقمار الاصطناعية التي كانت تتابع بدقة تحركات الجيش الليبي والقيادة الليبية التي آمنت منذ اللحظات الأولى أن باستطاعتها الدفاع عن ليبيا، لكن حساباتها باءت بالفشل، أمام المؤامرة التي ساهمت فيها جامعة الدول العربية وقدمت للحلف الأطلسي ذلك الغطاء بل والدعم المباشر. وهكذا كان، فكيفما كان الجيش الليبي يتحرك ضد الشغب الذي مثله الشباب كانت طائرات الحلف تتصدى له بعنف، وقيل إنه في يوم تمكنت طائرات الحلف من ضرب رتل كامل للجيش الليبي ذهب ضحيته عشرات الآلاف دفعة واحدة إضافة إلى تدمير الآليات بشكل كامل وكان ذلك الفعل الشائن يتم تحت لافتة القضاء على الدكتاورية وإعطاء الشعب الليبي الحرية والديمقراطية، الحرية والديمقراطية التي نراها ونعايشها اليوم في ربوع ليبيا، الدولة الفاشلة.
لقد أساءت جامعة الدول العربية كثيرا لنفسها وللأمة ولشعوب المنطقة ولقواعد الإخلاص لأفكارها التي بنيت عليها. لم تعد ذلك المكان الذي يسهر على عالمه العربي كي يؤمن له ديمومة استقراره وأمنه وسلامته ووداعته، تحول بفعل تلك القيادة وما قبلها إلى صورة غريبة عن حقيقة الدور الذي يجب عليها أن تلعبه، إن كل نقطة دم سالت ولا تزال تسيل في ليبيا وفي سورية واليوم في غزة هي في ضمير هذه الجامعة التي باتت غريبة جدا عن شعوب المنطقة العربية وعن تطلعاتهم وأحلامهم، ولهذا فقد سقطت من مقامها لتتحول إلى أداة تحركها الاعتبارات الذاتية والانصياعات للغرب.

رأي الوطن