الشريط الإخباري

وقائع أيام قادمة-صحيفة البعث

ربما يجدر بنا التوقف ملياً أمام تصريحين أمريكيين صدرا خلال الأسبوع الماضي، في الأول منهما يقول مسؤول عسكري أمريكي: إن سبب التلكؤ في مواجهة جدية لداعش هو “الإحساس بأن هذه المعركة ليست معركتنا، لذا سنقوم فقط باحتوائها”، وفي الثاني يقول وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر في خضم سجال مع الصين: “كنا نحلق فوق بحر الصين الجنوبي لسنوات وسنوات وسنوات… وسنستمر بذلك. سنحلق ونتنقل وننفذ عمليات”، ومن هذين التصريحين، على تباعدهما الظاهري، يمكن فهم الموقف الأمريكي الحقيقي مما يحدث حالياً، واستشراف ما سيحدث لاحقاً.

وإذا كان التصريح الأول لا يحتاج إلى تفسير وتحليل، فإن الثاني يؤكد أن قرار التوجه الاستراتيجي نحو الشرق الآسيوي، لمحاصرة نهوض الصين المتسارع، قد وضع على سكة التنفيذ العاجل، وأن بعض ما يحدث لدينا هو عبارة عن “هزات ارتدادية دموية” لقرار تاريخي ومفصلي كهذا، دون أن نقع في فخ وهم الانسحاب الأمريكي الكلي أبداً، فالدول العظمى لا تنسحب بالكامل، بل تعيد ترتيب أولوياتها وملفاتها، وفي الأولويات الأمريكية الجديدة أصبح الشرق الأوسط في مرتبة أدنى من السابق، الأمر الذي دفع قواه المتعددة، من أتباع واشنطن وأيتام الاتفاق النووي القادم، لخوض حروبهم الخاصة، البعض بحثاً عن تعبئة مكان في الفراغ الاستراتيجي الجزئي القادم، وآخر خوفاً من فقدان مكانة وعرش أيضاً، وثالث ليس له في العير والنفير سوى التنفيذ والسمع والطاعة، لكن النتيجة النهائية، سواء بوعي البعض أو بدونه، ستؤدي إلى “شرق أوسط مذهبي جديد”، لا وجود فيه سوى “لإسرائيل” اليهودية، ولكانتونات مذهبية تخوض فيما بينها حروب السماء المُخَطَطُ لها أن تستغرق هذا القرن بطوله.

بهذا الإطار، نفهم تجاوز هؤلاء “الأيتام” لكل الخطوط الحمر، من الاستعانة العلنية بالقاعدة، وتلميع صورتها إعلامياً وسياسياً، إلى استخدام أسلحة عنقودية محرّمة في اليمن، بحسب “هيومن رايتس ووتش”، فحروب “الصغار”، كما حروب “المذاهب”، ليس لها قواعد أو ضوابط، ولا يقف وراءها عقل استراتيجي ليوازن بين الأكلاف والنتائج، أو يعرف النقطة الحرجة في الصراع، حيث قد يرتد عليه، فلا يتجاوزها، بل هي، في الشكل، “هوشة عرب” على الجميع أن “يكرّ” خلف شيخ القبيلة، وفي المضمون، حرب إلغاء كامل، تبدأ بقطع رؤوس التماثيل و”صلب” التاريخ، كما يفعل “داعش”، في سورية والعراق، وقصف “سد مأرب” التاريخي، كما يفعل آل سعود، لتنتهي بوأد الغد وقتل المستقبل.

هل هذا يعني أن الإدارة الأمريكية بريئة من دم “يوسف”؟!، بالطبع لا، ولكنه يعني أنها اليوم تكتفي بالإسناد اللوجستي للذئاب المحلية والإقليمية، علهم يخرجون، جميعاً مع ضحاياهم، في حالة من الإنهاك الجاهز لتلقي الخرائط القادمة، وبالتالي فإن “قلق” بان كي مون من تزايد عدد المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وحراك “دي ميستورا” التفاوضي، وهما أمريكيان بالوظيفة، ليسا سوى نفاق أممي معتاد من الأول، وفاصل “إعلانات” بين مشاهد “الفيلم الأمريكي الطويل”، من الثاني.

بهذا المعنى فإن سياسة “الصبر الاستراتيجي” لبعضنا، أصبحت، بالنتيجة المتحققة، تشابه وهم النأي بالنفس للبعض الآخر، خاصة وأن أتباع واشنطن ينظرون للمنطقة، وقضاياها ومصائرها، باعتبارها ساحة واحدة، وبالتالي فإن نصرهم عسكرياً في “إدلب” أو “صنعاء”، أو تزخيم جبهة “حلب” -بعد إفشالهم سابقاً خطة تجميد الصراع فيها- كما سربت مصادر دبلوماسية غربية عشية اجتماعهم اليوم في باريس، وهو ما يتلاقى مع حلم “أردوغان” بتحقيق نصر كبير يشكل رافعة انتخابية قوية خلال الأسبوع المقبل في “أنقرة”، كل ذلك سيصرف، كما يعتقدون، في الملف النووي الإيراني، وفي إضعاف روسيا والصين أيضاً، وتلك حقيقة تصفق لها واشنطن في السر والعلن أيضاً.

إذن، هي وقائع أيام ساخنة قادمة، لكن هناك وقائع أخرى ثابتة، يقول أولها: إن وحش التطرف لا يستثني صنّاعه، ويقول ثانيها: “دمشق أقدم عاصمة استمرت مأهولة عبر التاريخ”، كذلك كانت، وكذلك هي الآن، وكذلك ستبقى.

أحمد حسن

انظر ايضاً

معادلات معاصرة-البعث

بغض النظر عن مآل العدوان الإرهابي الجديد على غزة ومصيره، إلا أن المسار السياسي الموازي …