الشريط الإخباري

التجسّس من وجهة نظر إرهابي-صحيفة الثورة

لنفترض جدلاً أن توصيف رئيس النظام التركي أردوغان لقصة نشر صور الشاحنات التي تنقل الأسلحة إلى الإرهابيين بالتجسّسي أنه صحيح، فماذا يمكن أن نسمي عملية النقل ذاتها، وما يقف خلفها وما يدور حولها وما ينبثق عنها، وما قد يُبنى عليها الآن ولاحقاً؟!!

لا ننتظر إجابة محسومة،‏ لكن ثمة فرضية يجري تسويقها على مسار الأحداث ودور تركيا في كل ما تواجهه المنطقة باعتبارها العرّاب الرئيسي للتنظيمات الإرهابية على الأقل من الناحية السياسية واللوجستية في التخطيط والتدريب وصولاً إلى تحديد أمر العمليات المرحلي، حيث تتقاطع المعطيات حول مفاهيم بسيطة يدرج عليها نظام أردوغان وزمرته القريبة، في إطار الحلقة الضيقة التي تستبيح كل المحظورات، بما في ذلك اللجوء إلى أقصى درجات الوقاحة السياسية المرتبطة بالذرائع التي تسوّقها، في محاكاة لزعيم عصابة أكثر مما هي مقاربة لسياسة دولة.‏

هذا يدفع إلى الجزم بأن أردوغان لا يقول شيئاً من فراغ، ولا يستند في ذلك إلى تأويلات خارجة من الهوامش المحيطة به، بقدر ما يعني ما يقوله، وبقدر ما يعتمد قوله في سياق الممارسة على الأرض، حيث لديه الاستعداد للمجازفة حتى النهاية ليس بتركيا فحسب، بل بالمنطقة والعالم.‏

هنا قد تكون القضية والمسألة الأكثر خطورة في سياق أي حديث عن مكافحة الإرهاب، التي يجب أن تبدأ من تلك النقطة التي يتمترس فيها أردوغان، ومن ثم في مرحلة لاحقة البحث في الخيارات، وما عدا ذلك لا يعدو كونه إثارة للغبار وتعمية للعقل والمنطق وتجييراً لحالة الإرهاب بمآربها السياسية.‏

لا نعتقد أن أحداً في العالم لا يعرف ما يجري وما يدور، وثمة حاجة فعلية لوضع نقاط مكافحة الإرهاب على الحروف البديهية للمواجهة الدولية، والتي تبدأ من الحاضن والراعي والموجه والمنظم لتنتهي بالممول، حيث التمويل يأتي في الدرجة الثانية، لأن أي تمويل دون ممرات.. وأي تجنيد دون أرض يصلون عبرها لا معنى له وتبقى نتائجه محدودة.‏

والمفارقة أن الوثائق المسرّبة والصور المنشورة ليست الأولى، وهي قضية لا تعدو كونها بضع شاحنات من الأسلحة تنقلها الاستخبارات التركية مباشرة، نظراً لحساسيتها ونوعيتها التي كانت تعوّل عليها حكومة أردوغان لقلب المعادلات وتبديل الحسابات وتغيير التوازنات على الأرض، فيما العشرات من حالات التورط التركي وبأضعاف مما نقلته الشاحنات موثّقة وبالقرائن الدامغة وبمعرفة مباشرة من الاستخبارات الأميركية وسياسيي البيت الأبيض، حتى لو جاءت مقاربة الخارجية الأميركية مختلفة هذه المرة!!‏

كل هذا يدفع إلى الجزم بأن الأمر يتجاوز حدود ومساحة الجدل التركي والاتهامات بالخيانة وبالعلاقة الانتخابية الحامية الوطيس ومساحات استثماراتها لغايات داخلية، لتصل إلى عمق الحقيقة المرّة التي عملت «البروباغندا» الغربية لتضخيمها، كي تكون حبالاً تنشر عبرها غبار الاتهامات وتحجب الحقيقة عما جرى على مدى أكثر من ستين شهراً وليس فقط أشهر اندلاع الأزمة في سورية، بل كانت مسبوقة بعمليات جرت تجربتها في أماكن أخرى، وكان التركي قد نجح في الاختبار الغربي ليكون رأس حربة مشروعه.‏

هذا ليس تقليلاً من الوثيقة والصور، بقدر ما هو إصرار على أن ما بقي وما مرّ أخطر بكثير من بضع شاحنات، لأن ما يظهر لدى التنظيمات الإرهابية من مرتزقة، ومن مخازن أسلحة وذخيرة بصنوفها المختلفة، والتي تحاكي أحدث ما تمتلكه المنظومة الغربية وترسانتها، سواء ما تعلق منها بالقذائف أم بالمدرعات والمصفحات، يشي بجزء يسير من الحقيقة المسكوت عنها.‏

فالتجسّس في معيار الإرهابي يصبح تهمة عابرة تنتهي زوبعتها مع انقضاء موسم الانتخابات، وحينها تكون العلاقة مع الإرهاب والإرهابيين في العرْف الغربي وظيفة مرحلية، ولو امتلكت مرتبة الحصانة السياسية إلى حين، وتجارة رائجة تزدهر أو تخبو وفق الحاجة وحسب المعطى، أو تبعاً لما تتطلبه الأدوار الوظيفية لثلّة من عملاء وخونة طفوا على المشهد السياسي في زمن يحبو فيه القانون الدولي على زلاجات غربية ينزلق في المستويات المستقيمة ويستقيم عند المنعطفات وزوايا السياسة الغربية حين تقتضي الأطماع ذلك..!!‏

بقلم: علي قاسم