الشريط الإخباري

سرعة وتسارع..!!

لا يملك المراقب للوضع السياسي، العربي والإقليمي والدولي، سوى أن يقف مشدوهاً أمام كم النفاق الكبير الذي أصبح يصم السياسة لتتحوّل من فن الممكن والكذب المقنع، إلى مرحلة النفاق العلني الفاجر.
فتسارع الحراك الأمريكي-الأوروبي بشأن العدوان على فلسطين، بالتزامن مع تدافع العرب بالمناكب لاجتماع “عاجل”، بعد نحو ثمانية أيام على سفك الدم الفلسطيني، أمر لا يمكن فهمه إلا برهانهم المضمر على ألا يأتي اليوم السابع للمجزرة، إلا و”الإسرائيلي” قد انتهى من “خنق” الفلسطيني وارتاح، وأراحهم معه.
وأن يصرح سياسي لبناني في ذكرى تموز 2006 بأنه غير نادم على دوره “المشبوه” فيها، فذلك ليس سوى إيغال في النفاق للسيد الأبيض، الذي تبادل معه حينها “قبلاً سوداء”، بينما كانت إسرائيل ترسل “حمماً حمراء” لمن يفترض أنهم أهله ومواطنيه.
وأن يعتمر “فقيه” ماركسي عمامة “الحجاج الثقفي”، ليستفيض في فقه تبرير قطع الرؤوس والأعناق الذي تمارسه “داعش” و”النصرة”، وأن يميل مثقف يساري حيثما يميل وجه “جورج واشنطن” على الدولار، وبعض وجوه ملوك الرمال على الريال والدينار، وأن يخرج فاسد كبير ليصبح معارضاً أكبر، وألا يستطيع “أردوغان” “أن يرى نفسه بصف الظالمين”، كما أتحفنا مؤخراً، فذلك كله من فضائل وبركات سيادة سياسة النفاق والفجور العلني بلا رقيب أو حسيب.
لكن قمة النفاق ورئاستها تبقى معقودة اللواء للأوروبيين الذين قالوا صراحة، في تقرير رسمي سري إن الفضائيات الخليجية تدعم الإرهاب، وإن “قطر” لا تتعاون مع مكافحته، وإنها، مع السعودية، تمول “داعش”، دون أن يقدّم الغرب على فعل شيء، وهو الذي يحاصر الشعب السوري بلقمة عيشه بحجة “تحريره” من دولته!!، ويسرق نفطه عبر شرعنة شرائه من لصوص وسارقين.
وإذا كنا نفهم عدم تعاون “الخليجيين الرسميين” مع جهود مكافحة الإرهاب، خوفاً من اضطرارهم لتسليم أمرائهم وملوكهم لمحكمة العدل الدولية، لكننا لا يمكن أن نفهم الصمت الأوروبي عن ذلك إلا بسياسة النفاق المتبعة لديهم، وبقوة إقناع الدولار النفطي وحجته القاطعة، وبحقيقة أن “إصدار قوائم سوداء يدرج فيها الأفراد الذين يسهلون أو ينظمون سفر المقاتلين الأجانب إلى سورية”، كما طالب التقرير المذكور، يعني أيضاً إدراج أسماء بعض الزعماء الأوروبيين وقادة أجهزة مخابراتهم على رأس هذه القائمة.
بيد أنه ثمة حقائق لا يمكن لهذا النفاق الرسمي المستمر أن يغطي عليها، أولها يخص قيادات “العالم الحر” وأتباعهم العرب، والذين لا يمكن تسميتهم سوى بـ “ساسة الصدفة” الذين يعانون من “حول لغوي” واضح في خطبهم وشعاراتهم، ففيما يتحدثون عن حقوق الإنسان وحرياته، فإن المرء بالكاد يستطيع غض النظر عن دمائه التي تخرج من بين أفواههم بين الكلمة والأخرى. وثانيها يخصنا نحن العرب والمسلمين: فبغض النظر عمن أنشأ “داعش” وموّله ورعاه، وهو مشروع صهيووهابي بالتأكيد، فقد كانت هناك بيئة محلية مناسبة لولادته، كما أن “سرعة” الجامعة العربية في الاستجابة للدماء الفلسطينية هي تعبير عن “سرعة” العرب في كل المجالات الأخرى، وبغض النظر، أيضاً، عن حقيقة نية من يحلل الصراع بين العرب و”إسرائيل”، أو النزاع بين العرب وجوارهم، أو بين المسلمين أنفسهم، بأدوات دينية أو مذهبية، فإنه، بحديثه هذا، يساهم في انتصار “إسرائيل” وبقائها، لأنه يلغي حقيقة الصراع الوطني التحرري-الطبقي بين حلفين وتيارين واتجاهين.
لكن ثالث هذه الحقائق وأهمها أن “سرعة” العرب المستجدة، وتسارع التحرك الأمريكي-الأوروبي، فرضتهما حقيقة أن صفارات الإنذار بدأت تعمل بكل طاقتها في “إسرائيل”، وأن صواريخ المقاومة، المعروفة المصنع والمصدر، قد تعيد بوصلة، بعض من ضل من هذه الأمة، إلى وجهتها الحقيقية، وهو أمر جلل في ذهن من باع ومن سقط، لذلك كانت “السرعة” وكان “التسارع”، وليس لأي شيء آخر.
بقلم: أحمد حسن