الشريط الإخباري

الأردن و«داعش» والخيارات الخاطئة في مواجهة الإرهاب-صحيفة تشرين

«داعش» لم تكن طفرة في المجتمعات العربية أو وليدة مصادفة أو لحظة عابرة، «داعش» وليدة بيئة بترو دولارية وفرت لها كل مقومات الوجود والنمو والتطور والتطرف لعشرات السنين! «داعش» نمت في صحراء البداوة، وتغذت على فكر ابن تيمية التكفيري، أموال النفط المغدقة عليها وحرية العمل الممنوحة لها، جعلتها تقيم بنية تحتية واسعة من المؤسسات الإغاثية والتعليمية والاجتماعية والدينية، ناهيك بقنوات ووسائل الإعلام التي تم توظيفها وإنشاؤها لخدمة هذا الفكر، إذ جرت صياغة المناهج التعليمية والتربوية في أكثر من بلد عربي ودولة خليجية وفق فكر ابن تيمية الوهابي التكفيري، وهذا الفكر كان ينتقل إلى المشرق العربي من خلال العاملين في دول الخليج العربي، أيام الطفرة والوفرة النفطية، والعائدون من هناك متخمون بالمال النفطي والفكر التكفيري، يضاف لذلك غض الدولة في الأردن النظر عن أنشطتهم في المساجد والمدارس والجامعات التي أصبحت بمنزلة المفرخة والدفيئات لحملة ودعاة هذا الفكر في وجه دعاة المشروع الوطني والقومي والليبرالي، وتم توظيف تلك الجماعات من أجل بث الرعب والتخويف بين الناس، لكي يتم حرف أنظارهم عن الهموم والمشكلات الأساسية من جوع وفقر وبطالة وغياب للحريات ومأسسة للفساد وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وشيئاً فشيئاً بفعل البترودولار وما تتلقاه تلك الجماعات من دعم وتمويل.. وفي ظل غياب رد الفعل والمواجهة من قبل دعاة النهج الوطني والقومي من ساسة ومفكرين وإعلاميين وكتاب وأدباء، بدأ الفكر التكفيري يمارس تأثيره ونفوذه على الوعي العام وبدأت الجماعات التكفيرية تستقطب كثيراً من المقاتلين المتشددين وشذاذ الآفاق.

لكن هذه الجماعات الإرهابية والتكفيرية، تصعب السيطرة عليها، وسرعان ما تشب على طوق من يربيها ويحتضنها، كما حصل مع القاعدة وجماعات العرب الأفغان الذين وظفتهم أمريكا وعربان مشايخ النفط والكاز الخليجي لضرب الوجود السوفييتي الشيوعي في أفغانستان، فانقلب السحر على الساحر!

و«داعش» وغيرها من المسميات: «جبهة النصرة» و«جيش الإسلام» و«الجبهة الإسلامية» ولدت من رحم القاعدة وجرى توظيفها من أكثر من طرف عربي وإقليمي ودولي، لكل أهدافه ومصالحه من هذا التوظيف، وإن كانت جميعها تلتقي حول تدمير وتفكيك حوامل المشروع القومي العربي في مفاصله الأساسية كدول مدنية وجيوش وطنية (العراق، وسورية، ومصر).

«داعش» أصبحت تشكل تحدياً علنياً للنظام الأردني وسياسته في الجنوب الأردني على وجه الخصوص، وأصبحت تحاول فرض سيطرتها على الوعي العام، وبالذات بين وفي أوساط الشباب وفي المؤسسات التعليمية ودور العبادة والمساجد وحلقات الذكر والدروشة وغيرها.

«داعش» ارتكبت جريمتها الدنيئة والخارجة عن كل القيم والمعايير والتقاليد التي لها علاقة بالإنسانية والبشرية، وقتلت الطيار الأردني الكساسبة حرقاً وهو حي، وتلك الجريمة يتحمل مسؤوليتها النظام الأردني كونه رعى ويرعى مثل تلك الجماعات الإرهابية، ويسمح بمرورها وعبورها إلى سورية، ويوفر لها الدعم، وهي تدير عملياتها في الشام من خلال غرفة عمليات موجودة في الأردن.

النظام الأردني وظف تلك الجريمة البشعة من أجل تحقيق جملة من الأهداف، الخادمة له ولسياساته، فهو يوظف تلك العملية من أجل تعزيز مشروعية دوره في خدمة السياسة الأمريكية، وتهيئة الشباب الأردني من أجل الانخراط في مشروع ما يسمى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، والتمهيد للمشاركة في الحرب البرية على الإرهاب في العراق وسورية، في جيش ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية، وقوده الجيوش العربية ومنها الجيش الأردني، وهناك هدف آخر هو طمس وإسكات أي أصوات وطنية وقومية أردنية تعترض على الانخراط الأردني في المشروع الأمريكي لمحاربة الإرهاب، باتهامها بالتخوين وعدم المسؤولية، فهي لا تريد الثأر من «داعش» على جريمتها بقتل الطيار الأردني الكساسبة! أي إنهم يقولون كلمة حق يراد بها باطلاً، فالأردن المعني بمحاربة الإرهاب، لا يعقل أن يحارب «داعش» في شرق سورية والعراق، ويدعم ما يسمى النصرة في جنوب سورية، وانخراط الأردن في المشروع الأمريكي للحرب على «داعش»، لا يحقق مصلحة للأردن ولا للأمة العربية، بل يحقق المصلحة الأمريكية أولاً قبل أي شيء آخر، ومثل هذه المشاركة في الحرب البرية، قد تعمل على فسخ وزعزعة الاستقرار في الأردن، وهناك رغبة أمريكية في إضعاف الجيش الأردني، لأهداف لها علاقة بشق الوحدة الوطنية والمجتمعية في الأردن، تمهيداً لتنفيذ مشروع الوطن البديل، الذي يطرحه أقطاب الحكومة الإسرائيلية الحالية من قوى اليمين الصهيوني المتطرف، معتقدين بأن انهيار الحالة العربية ودخولها في حروب وصراعات مذهبية وإثنية وتعطيل الإرادة الدولية، قد تمكنهم من فرض مشروعهم للوطن البديل.

على الأردن أن يدرك أنه سيدفع ثمن سياساته الخاطئة غالياً، ولاسيما بعد انخراطه فيما يسمى «المشروع الأمريكي– الدولي لمحاربة الإرهاب»، فهذه التحالفات قامت ليس من أجل محاربة الإرهاب، بل من أجل دعم هذا الإرهاب وتسعير نيرانه في سورية والعراق ومصر وحتى الأردن نفسها، فهناك مشروع سياسي أمريكي للمنطقة عنوانه التفتيت والتفكيك وإعادة التركيب على أساس دويلات هشة مذهبية وطائفية، ومصلحة الأردن الحقيقية تكون في الاصطفاف إلى جانب سورية التي تحارب الإرهاب حقيقة وتدفع ثمن ذلك دماً وتضحيات وخسائر كبيرة في جيشها واقتصادها وبنيتها التحتية ومقومات وجودها، وعليها أن تدرك أنه لا اجتثاث للإرهاب تحت المظلة الأميركية، تلك المظلة التي تدعم إرهاب الدولة الصهيونية المنظم ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية.

واضح أن هناك عدداً من مشيخات النفط والكاز وبالتحديد السعودية تعمل على توريط الأردن في الحرب البرية، في إطار حقدها على الدولة السورية، ورئيسها الذي وصفهم بعد الحرب العدوانية على حزب الله والمقاومة اللبنانية في تموز/2006 بأشباه الرجال، وهذا ما نلمسه في كتابات الراشد، والحميد، والخاشقجي، في جريدة الشرق الأوسط السعودية.

إن الذين يقولون للأردن: إن طريقه إلى «داعش» تمر عبر سورية، يريدون أن يأخذوا الأردن إلى طريق صعب محفوف بالمخاطر، قد يدفع الأردن ثمنها وحدته الوطنية والمجتمعية واستقراره.

بقلم: راسم عبيدات
كاتب من القدس المحتلة