الشريط الإخباري

مشهدان

إذا نظرنا الى مايحدث في فلسطين المحتلة هذه الأيام من زاوية الموقف العربي الرسمي المتخاذل، بل المتواطئ مع العدو الصهيوني، وكما عبّر عنه صمت مايسمّى الجامعة العربية على عدوانه الوحشي على قطاع غزة، فإنَّ المشهد سيبدو في منتهى السواد والقتامة، لأنَّه يؤكد، بلغة الرجعية العربية التي تتحكم بالقرار العربي الرسمي، أنَّ «إسرائيل» ليست عدواً!، وأنَّ ماترتكبه من مجازر وحشية بحق الشعب العربي الفلسطيني في غزة كما في غيرها من المناطق الفلسطينية، دفاع عن النفس، ورد مشروع على الصواريخ الفلسطينية، تماماً كما يردّد المتصهينون الأمريكيون والأوروبيون ومن لف لفهم من أتباع وعملاء.
إنَّه المشهد الذي يبلغ فيه قلب الحقائق حدّ اللامعقول، ومع ذلك يتم ترويجه وتسويقه سياسياً وإعلامياً على أنَّه عين العقل والصواب و«الاعتدال». وأيّ عقل عربي يقبل أن يرى في العدو الصهيوني الذي يحتل فلسطين، ويرتكب أكثر الجرائم الوحشية بحق شعبها منذ أكثر من ستين عاماً، صديقاً؟!، أيّ عقل يلتمس اليوم للعدو الأعذار على مايقوم به من تدمير منازل الفلسطينيين على رؤوسهم في غزة، وإحراق أطفالهم أحياء، إلاّ إذا كان عقلاً متصهيناً بالكامل كما هو العقل الرجعي العربي. وليس من قبيل المصادفة تزامن نشر الأمير السعودي تركي الفيصل مقالاً أوّل أمس في صحيفة هاآرتس الصهيونية موجَّهاً للمؤتمر الإسرائيلي للسلام الذي يعقد في تل أبيب، مع إطلاق جيش العدو الصهيوني عدوان «الجرف الصامد» الوحشي على القطاع، فالرجعية الوهابية معنية بتبرئة حليفها الصهيوني، والتغطية على عدوانه، كما هي معنية بتسريع عملية التطبيع العربي الرسمي معه، وفي وضح النهار. والتحالف الوهابي الصهيوني العضوي هو اليوم حجر الزاوية في تنفيذ مشروع تقسيم المنطقة العربية مذهبياً وطائفياً وعرقياً، وإغراقها في أتون الصراعات الهوياتية الدامية.
المشهد سيختلف كثيراً إذا نظرنا له من زاوية الرد الفلسطيني على العدوان، فقد استطاعت الصواريخ الفلسطينية التي طالت عمق الكيان الصهيوني، ووصلت الى تل أبيب والقدس وحيفا أن تفاجأ العدو وتربكه، وتجعله يحسب ألف حساب قبل الإقدام على تصعيد عدوانه، وشن الحرب البرية، التي يهدد بها، على غزة، فهذا المشهد يقول، بلغة المقاومة التي يجترحها شعب فلسطين الصامد، إنَّ الفلسطينيين قادرون على الدفاع عن أنفسهم في مواجهة الوحش الصهيوني الكاسر حتى وإن خذلتهم الرجعية العربية (متى لم تخذلهم) ووقفت في صف عدوهم، وإنَّه إذا كانت «إسرائيل» تجد صعوبة كبرى في مواجهة صواريخ الفلسطينيين، فكيف سيكون حالها لو دخلت في حرب واسعة مع محور المقاومة في المنطقة، وكيف سيكون حال حليفها الوهابي.
حقيقة الأمر هو أنَّ الكيان الصهيوني يعيش مأزقه الوجودي، وأنَّ الوهابية العميلة قد دخلت مأزقها التاريخي أيضاً، مايجعل نهايتهما واحدة. ففي الصراع الوجودي الدائر الآن بين قوى المقاومة العربية وبين التحالف الامبريالي الصهيوني الوهابي في سورية والعراق كما في فلسطين ولبنان، يمكن قراءة ملامح المستقبل في مشهد التصدي البطولي للعدوانين الإرهابي والصهيوني، وإفشال المشروع المعادي الذي يحاول القضاء على الأمة العربية وتصفية قضيتها المركزية. وأمّا المشاهد القاتمة فإلى زوال.
بقلم: محمد كنايسي