الشريط الإخباري

أحزمة «الخلافة» وأروقة العدوان

تستنفد الأروقة الخلفية روادها بعد أن فضحت أوراقهم على الملأ ودفعت بها إلى الواجهة، وتخلي الغرف السرية ساكنيها أو قاطنيها أو المعتادين على الجلوس الطويل فيها، بعد أن أظهرت كل ما في داخلها، وما كان يحتاج إلى أقبية سرية ولقاءات خلف الأضواء بات على رؤوس الأشهاد.
الفارق بين المشهدين أن التحالفات التقليدية المعتادة بثالوثها: الغرب الاستعماري المزنر بحزام الإرهاب، والرجعية بأذرع المشيخات، وإسرائيل بلغة العدوان، تعود إلى البروز بلبوس جديد.. وإن بقيت محافظة على نسق علاقة التابع والأجير والمرتزق، في تصنيف يخرج من ردهات التنظير السياسي، ليمارس حضوره على أرض الواقع على صورة ترابط عضوي يتجاوز المصالح ليصل إلى حدود وحدة المصير والوجود، في معركة لا تبدو أنها تقبل القسمة على اثنين بعد ان تحولت المواجهة إلى جبهات مفتوحة أكثر حدة واشتعالاً.‏
ولا يحتاج الحديث عن العلاقة بين العدوان والإرهاب والدول الوظيفية في المنطقة إلى قرائن، بدليل أن الأحداث تفرض المقارنة، ليس لإثباتها بقدر ما هي للدلالة على تبادل الخدمات بين ما تمارسه داعش وما يقوم به الاحتلال بواسطة من مشيخات الخليج والدول الوظيفية الأخرى في المنطقة.‏
غير أن مفاعيل التلازم بين النتائج يقود إلى ما هو أبعد بكثير من حالة الارتباط، حيث تسجل حضورها في أحزمة «الخلافة» التي تتولى فصول تدشينها قوى وأطراف لم تعد تخفي الارتباط الوثيق بين مفاهيم التعمية السياسية وبين دورها على نسق المهام الإضافية والمستجدة في فورة الاستهداف الغربي للمنطقة، واستعادة خرائط التقسيم بنسختها الطائفية والعرقية والإثنية، لتسويغ الحديث عن الهويات الدينية للدول والدويلات والكيانات.‏
على الضفة الموازية لها تبرز مفخخات العدوان رسائلها المتلونة في الاتجاهات والحسابات والمعادلات, على قاعدة أن العصا المرفوعة والذراع المستنفرة لممارسة العربدة كلما لاحت فرصة في الأفق أو دعت الحاجة ليست كافية لمواكبة تصاعد أحزمة «الخلافة» على نحو متسارع، وتكاد تسحب البساط نحو اتجاهات قد لا تتطابق مع معادلات العدوان في ظروفها واحتياجاتها.‏
من هذه الزاوية بدت إسرائيل في عدوانها مضطرة للاستعجال في دفع فاتورة مستحقة سابقاً، حتى لو اقتضى الأمر أن تراكم من الدفع المسبق، لأن الرغبة الأميركية في تعويض الوقت الضائع لا تزال تفرض إحداثياتها على التوجه الإسرائيلي، وهي تتبادل معها المهام المؤجلة بحكم الضرورة التي اقتضت أن تدفع أميركا بالورقة الإسرائيلية للحضور المباشر، بالتوازي مع ورقة التنظيمات الإرهابية، وتحويل طاقة المشيخات سياسياً ومالياً وإعلامياً لتكون في خدمة الورقتين تحت طائلة التلويح بالتهديد الذي تشكله الخلافة المعلنة وأحزمتها المتفجرة حسب الطلب والحاجة.‏
في أطلال الأروقة الممتدة.. ثمة أصوات لا تزال تلهث في مطالعاتها بحثاً عن نتف تبقيها في دائرة الحسابات الأميركية المتأرجحة بين القديم والجديد، وعن مساحة تتيح لها الاستمرار في تقديم خدماتها ولو كانت مجانية، لكن العدوان الإسرائيلي يحرجها من جديد، بل يعيدها إلى نقطة الصفر فتعود إلى اللغو في تلك الأروقة، ورجع الصدى يرعبها ويولّد فيها آلاف الهواجس.‏
العدوان بمفخخاته والخلافة الداعشية بأحزمتها تطوّق خصر الباحثين عن قوارب هروب إضافية أو عن فرص للاصطياد في الماء العكر، بل تعد عليهم خطواتهم وأحياناً أنفاسهم، لذلك فإن أغلبهم بلع لسانه، ومن تجرأ على النطق فقد كان نطقه أكثر من كفر بعد أن صام طوال الدهر، وهو ينفخ في جمر تحت رماد الحسابات التي فقدت صلاحية الأخذ بها, وطبول العدوان تعلن حضورها, وفتاوى التطرف تنجز مشروعها في خدمة ثالوث الإرهاب.‏
بقلم: علي قاسم