الشريط الإخباري

الحصار.. القاتل الصامت.. بقلم: عبد الرحيم أحمد

عندما ينظر القانون الدولي إلى الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الدول خارج إطار الأمم المتحدة كجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، هذا لأنه بلا شك أشد فتكاً بالشعوب من الأسلحة العسكرية التقليدية، فهو يشبه سلاح الدمار الشامل، لكن الفرق أن الحصار يفتك بالملايين بشكل بطيء بينما سلاح الدمار الشامل يقضي عليهم بضربة واحدة.

قبل نحو قرن من الزمن دعا الرئيس الأميركي وودرو ويلسون عام 1919 إلى استخدام العزلة والحصار ضد الدول كبديل عن استخدام القوة العسكرية واصفاً الحصار بـ “القاتل الصامت” الذي لا يمكن لأي دولة أن تقاومه لأنه يشل الحياة فيها ويفرض عليها حالة العجز عبر منع وصولها إلى المواد الخام الأساسية، ومنع المصانع من الإنتاج وإضعاف الروح المعنوية لمواطنيها.

ومنذ ذلك الحين تواصل الولايات المتحدة إضافة إلى استخدام ترسانتها العسكرية المنتشرة عبر الأساطيل والقواعد العسكرية في العالم استخدام هذا القاتل الصامت ضد الدول التي تناهض السياسات الأميركية، وتفرض على دول العالم المشاركة في مقاطعة وحصار خصومها السياسيين انطلاقاً من قدرتها الاقتصادية والعسكرية التي تشكل ذراعاً ضاربة تخشاها معظم الدول.

ما أعلنته وزارة الخارجية السورية قبل أيام كإحصائية للخسائر الاقتصادية التي تسببت بها قوات الاحتلال الأميركي لسورية في قطاع النفط والغاز منذ عام 2014 وحتى اليوم يقارب 112 مليار دولار أميركي، أي ما يعادل أكثر من 20 ضعفاً للموازنة العامة للدولة وفق موازنة عام 2023 البالغة 16550 مليار ليرة سورية وبسعر صرف 3000 ليرة للدولار الواحد، ما يعني أنها تسرق ما يعادل موازنة الدولة السورية لمدة عشرين عاماً قادمة.

هذا في قطاع النفط وحده، فكم هي فاتورة الحرب في مختلف القطاعات؟ وكم هي الخسائر المترتبة على الاقتصاد السوري نتيجة الحرب والحصار على سورية منذ عشر سنوات ونيف؟.

لا شك أنها أرقام مرعبة، ولكنها ليست مجرد أرقام، بل هي مصانع سرقت ودمرت وتوقفت عن العمل، هي مشافٍ ومنشآت تعليمية وبنى تحتية وبيوت ومدن وبلدات تعرضت للدمار، هي منشآت زراعية دُمّرت وتعطلت عن العمل، هي عذابات للسوريين ونقص في مختلف مناحي الحياة من الصحة إلى التعليم والكهرباء والخدمات ومياه الشرب وانتشار الأمراض وعدم القدرة على تأمين الغذاء والدواء، هي برد في الشتاء وشلل في المواصلات، هي كل ما يتعرض له المواطن السوري من ألم وعذاب منذ عشر سنوات وحتى اليوم.

قد يقول البعض: إننا نركز على الحرب والحصار ونتجاهل دور الفساد وانعدام مسؤولية البعض وجشع التجار فيما يتعرض له الوطن، ونحمّل الحصار والحرب كل مشاكلنا، لكن من قال إن الفساد والفاسدين ليسوا أبناء الحرب والحصار والفوضى؟ فمن أهداف الحصار، التجويع من أجل التركيع، وإضعاف الروح المعنوية للشعب وتغليب المصالح الشخصية لدى المواطنين على المصلحة العامة لتشويش الرؤية وتغييب المجرم الحقيقي خلف ستار عجز الحكومة والدولة ووضعهما في موقع المتهم دون سواهما.

ألم تحاصر الولايات المتحدة العراق وتفرض عليه برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء الذي قلما كان يصل كافياً أو في مواعيده بهدف إضعافه وإركاعه؟ ألم يتكشّف تورط مسؤولي الأمم المتحدة في فساد صفقات النفط على حساب أرواح ملايين العراقيين من أطفال ونساء وشيوخ راحوا ضحية الحصار وفساد المنظمات الدولية؟.

اليوم القاتل الصامت سلاح الولايات المتحدة والغرب الاستعماري ضد الشعب السوري بعدما فشلت الآلة العسكرية في كسر إرادة سورية قيادة وجيشاً وشعباً، وهذه حقيقة أقر بها الكثير من المسؤولين في الغرب وليست شعارات صمود، فواشنطن تريد أن تفرض الموت البطيء على السوريين برداً ومرضاً وانعداماً للغذاء والدواء تحت عنوان حمايتهم، فأي جريمة هذه التي يرتكبها الغرب بحق السوريين أمام ناظري الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية!!.

بالأمس ارتفع صوت إلينا دوهان المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بتأثير التدابير القسرية على حقوق الإنسان وقد أصابتها الدهشة من حجم المعاناة التي تتسبب بها العقوبات الغربية والحصار الأميركي ضد السوريين بعد زيارة استمرت 12 يوماً، وطالبت برفع الحصار والعقوبات لأنها ترقى إلى جرائم الحرب وتنتهك أبسط حقوق الإنسان في الحصول على الغذاء والدواء والمأوى، فهل من يسمع؟!!.

رهان الولايات المتحدة على سلاح العقوبات والحصار لن ينفع في كسر إرادة السوريين بالرغم من الألم والعذاب الذي يتعرضون له، فهي لم تستطع أن تكسر كوبا على مرمى حجر من الشواطئ الأميركية منذ ما يزيد على 60 عاماً من الحصار، وهي لم تنجح في لي ذراع إيران، وسورية ليست استثناء من القاعدة بل هي العنوان الأقوى لمواجهة القاتل الصامت بقدراتها الذاتية وغناها وثبات شعبها.

انظر ايضاً

نقل الحرب إلى داخل روسيا لمصلحة من؟… بقلم: عبد الرحيم أحمد

لم تكن المحاولة الأوكرانية استهداف مبنى الكرملين بطائرات مسيرة مطلع شهر أيار الجاري محاولة جديّة