الشريط الإخباري

11 شباط 1979 ذكرى انبلاج ثورة متجددة حولت إيران لدولة محورية متمسكة بالمبادئ

طهران-سانا

شكل يوم الحادي عشر من شباط عام 1979 الذي يمثل انتصار الثورة الإسلامية في إيران حدثا محوريا أهم واحد أبرز الانعطافات في القرن الماضي حيث قلب الكثير من الموازين وأحدث تغييرات استراتيجية كبيرة تتواصل مفرزات نتائجها وتداعياتها على صعيد المنطقة والعالم برمته.

فلم تكن الثورة الإسلامية في إيران التي قادها الإمام الراحل الخميني حدثا عابرا أو مجرد تغيير لنظام حكم في بلد ما بل اعتبرت ووفقا لمجريات الأحداث حدثا مفصليا بارزا أثر على مسار ومجريات المنطقة .

وكانت الإرهاصات الكبرى لهذه الثورة بدأت في الأول من شباط عام 1979 مع وصول الإمام الخميني إلى إيران بعد سنوات طويلة من النفي القسري حيث توالت التطورات فيها بشكل متسارع لتحقق في الحادي عشر من ذات الشهر انتصارها المدوي الذي مهد الأرضية لحدوث تغييرات سياسية جذرية حيث استطاعت إسقاط أعتى الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة ممثلا بنظام الشاه محمد رضا بهلوي المدعوم بشكل مباشر من الغرب وفي مقدمه الولايات المتحدة كما تمكنت من القضاء على الفتن الداخلية التي كانت تسعى لتشويه صورتها وإفشالها.

وبالتوازي مع المسار الثوري الشعبي على نظام الشاه عملت الثورة الإسلامية على إقامة المؤسسات الدستورية استنادا إلى قاعدة تقوم على أن الشعب هو صاحب الحق الأول في هذه الثورة وأنه من الواجب عدم التفريط بهذا الحق المقدس ليتم إجراء انتخابات عامة حول اسم النظام السياسي حيث تم التصويت على اسم الجمهورية الإسلامية وجرت انتخابات أخرى لاختيار مجلس الخبراء ليقوم بصياغة دستور للبلاد وبعدها جرت انتخابات لاحقة على نفس الدستور وبعد فترة قصيرة جدا انتخب أعضاء مجلس الشورى الإسلامي ومن ثم انتخاب رئيس للجمهورية.

وإثر ذلك واصلت الثورة الإسلامية في إيران تحركها وتقدمها على مختلف الصعد فعلى صعيد الوضع الداخلي عملت على النهوض والبناء الاقتصادي لتصبح إحدى الدول الفاعلة والمهمة في المنطقة وفي القارة الآسيوية عموما كما حققت الكثير من الإنجازات على صعيد التطور العلمي والتقني حيث تحولت إلى دولة متطورة في مجال التقنيات والصناعات المتقدمة إضافة إلى التقدم المذهل في مجال الصناعات العسكرية لتصل أخيرا إلى الولوج في مجال استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية ودخولها إلى النادي النووي حيث تؤكد إيران مع تجذر ثورتها وتعمقها تشبثها بحقوق شعبها في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية لتحقيق اكتفائها الذاتي في التقدم في مجمل مجالات الحياة العصرية.

ولأن تأثير الثورة لم يكن مقتصرا على التغيير في إيران وحدها فقد اتخذت على الصعيد الخارجي مواقف واعتمدت سياسات تجاه قضايا المنطقة والعالم الأمر الذي جعلها عرضة للمحاربة من قبل الدول الاستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون إضافة إلى بعض الأنظمة العميلة التي شكلت وتشكل رأس الحربة في الحرب المستمرة على إيران.

ومنذ انتصارها في العام 1979 اعتمدت الثورة الاسلامية شعار “لا شرقية ولا غربية” للدلالة على استقلالية قرارها ومواقفها تجاه كل القضايا الدولية وعدم الخضوع للضغوط والإملاءات الخارجية فيما كان الموقف الأبرز هو ما اتخذته من خطوات تجاه القضية الفلسطينية حيث قطعت كافة العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع العدو الصهيوني وقامت بطرد السفير الصهيوني وطاقمه فورا ليتم تحويل السفارة الإسرائيلية إلى سفارة فلسطينية وهي الأولى في العالم كما قطعت النفط والغاز عن الكيان الصهيوني وقدمت كافة أشكال الدعم للمقاومة الفلسطينية ولحركات المقاومة في لبنان والعراق والمنطقة.

كل هذه المواقف دفعت القوى الغربية إلى استخدام مختلف الأساليب والإجراءات للضغط على إيران ومحاولة إخضاعها حيث تعرضت لحرب ظالمة في العام 1980 استمرت لثمانية أعوام بتحريض وتمويل غربي وخليجي لتخرج بعدها أكثر قوة وتأثيرا ثم كانت سياسة الحصار والعقوبات الاقتصادية والدبلوماسية والتي مازالت إيران تتعرض لها حتى الآن دون أن تؤدي كل هذه المحاولات لتغيير سياساتها أو حرفها عن مبادئها التي تصر على التمسك بها وعدم التخلي عنها.

وحتى اليوم وعلى الرغم من كل التحديات والصعوبات تستمر إيران في نهجها الثابت بخصوص قضايا المنطقة والعالم والقائمة على مناصرة الشعوب المظلومة ودعم حركات التحرر والمقاومة والوقوف إلى جانب الدول الحرة والرافضة لمشاريع الهيمنة الغربية.

ويبرز في هذا السياق العلاقة المتميزة والاستراتيجية والمبنية على أسس الاحترام المتبادل والتعاون في مختلف المجالات بين سورية وإيران والتي باتت تشكل مثالا في العلاقات بين الدول.

ومنذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران ترسخت هذه العلاقة وتجذرت في جميع الظروف والمراحل لتتجلى في المرحلة الحالية في الموقف الايراني الثابت بالوقوف إلى جانب سورية في مواجهة المؤامرة الارهابية الكونية التي تتعرض لها منذ نحو أربع سنوات والرفض الكامل للتدخل الخارجي في شؤون سورية الداخلية وتقديم مختلف أنواع الدعم للشعب السوري للصمود في وجه هذه المؤامرة.

كل هذه المعطيات والوقائع تؤكد من جديد أن انتصار الثورة الاسلامية في إيران سيظل حدثا استثنائيا متجددا على مستوى المنطقة والعالم لما له من تأثيرات على السياسات والمخططات والمشاريع الدولية وكذلك لما لإيران من دور هام في تحديد مسار المنطقة من خلال وقوفها إلى جانب سورية وقوى المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق في مواجهة مشاريع الهيمنة الأمريكية والاسرائيلية التي تستهدف إخضاع هذه المنطقة واستغلالها ونهب خيراتها.