روحٌ رياضية كرمى لعيون فلسطين- بقلم: عبد الرحيم أحمد

كثيراً ما يوصف شخصٌ ما بأنه “يتمتع بروح رياضية” في إشارة إلى مرونته وقبوله الخسارة في المسابقات والمنافسات دون أن يتبنى مواقف شخصية متشنجة ضد خصمه، لكن الأصح هنا أن نقول إنه يتمتع “بروح إنسانية وأخلاق عالية” فلا روح رياضية لشخص لا يمتلك الروح الإنسانية التي تحترم الآخر وتقبل الفوز والخسارة في المنافسات.

وإن كانت الروح الرياضية أهم سمات الألعاب الرياضية، إلا أن شرط التنافس الراقي أن يتمتع الخصمان بالأخلاق الإنسانية الأوسع، التي تشكل الروح الرياضية أحد مظاهرها، وبالتالي فإن انتفاءها لدى أحد الخصمين أو المتنافسين ينفي وجودها في المنافسة.

مناسبة الحديث عن الروح الرياضية هو ما جرى في الألعاب الأولمبية التي تستضيفها العاصمة اليابانية طوكيو وانسحاب المصارع الجزائري، فتحي نورين، والسوداني محمد عبد الرسول بعد أن أوقعتهما قرعة الدور الأول لمنافسات الجودو في مواجهة محتملة مع مصارع من كيان الاحتلال الإسرائيلي، في حين لم تفعل لاعبة الجودو السعودية تهاني القحطاني نفس الشيء ولعبت مع منافستها “الإسرائيلية” وخسرت خسارة مدوية!!.

انسحاب اللاعبين الجزائري والسوداني ليس جديداً في المسابقات العالمية، فقد فعلها لاعبون عرب كثر، وقبل أيام أيضاً انسحب اللاعب اللبناني عبدالله منياتو من بطولة الألعاب القتالية في بلغاريا، بعد أن وضعته القرعة في مواجهة لاعب من كيان الاحتلال وذلك رفضاً منه الاعتراف بالكيان المغتصب القاتل.

بعد مباراة القحطاني وخسارتها المدوية في الرياضة والموقف.. انبرى إعلام الاحتلال الإسرائيلي لوصفها بأنها تاريخية وتعبر عن الروح الرياضية للأولمبياد في حين اعتبر انسحاب الجزائري والسوداني إخلالاً بتلك الروح الرياضية!!.

لكن رواد السوشال ميديا في الوطن العربي كان لهم رأي آخر، فقد اعتبروا أن القحطاني خسرت مرتين، مرة عندما لم تنسحب وتسجل موقفاً أخلاقياً، وأخرى عندما خسرت المباراة، فهي لم تفز في جولة العزة كما فعل ابن الجزائر وابن السودان وابن لبنان، ولا فازت حتى في جولة “الجودو”، كما وصفها أحد المعلقين.

فهل تحلّت القحطاني بروح رياضية حقيقية فيما لم يفعل ابن الجزائر وابن السودان وغيرهما؟. في الحقيقة أن العكس هو الصحيح، فالروح الرياضية لا تنفصل عن الأخلاق.. والأخلاق تقول إن من يطبع مع عدو أمته ومحتل أرضه وقاتل أطفاله رياضياً وسياسياً واجتماعياً هو خائن لقضية العرب الأولى، قضية فلسطين، فالمباراة هنا ليست بين خصوم رياضيين، وإلا لما وصف إعلام العدو مباراة القحطاني بأنها لحظة تاريخية، فهي تاريخية له لأنها أحدثت خرقاً في جدار المقاطعة والرفض العربي.

ليس هذا فحسب، فبعض المباريات ليست حدثاً رياضياً بحتاً، طالما أن منافسك قد يكون جندياً في جيش الاحتلال الإسرائيلي!! فقد كشفت وسائل إعلام غربية أن لاعبة التايكواندو الإسرائيلية “أفيشاغ سيمبيرغ” التي فازت بالميدالية البرونزية في فئة 49 كغ للسيدات عادت إلى قاعدتها العسكرية في أرض فلسطين المحتلة بعد فوزها بالميدالية في طوكيو وسط احتفاء قادتها العسكريين.

نعتقد جازمين أن الروح الرياضية والأخلاق الإنسانية التي تحلى بها ابن الجزائر وابن السودان هي في أعلى درجاتها، وهما وإن خسرا فرصة التتويج في منافسات البطولة فقد حظيا بتتويج شعبي ووطني، وهما على يقين من ذلك، كيف لا وقد صرح اللاعب الجزائري قائلاً.. “انسحابي نصرة لفلسطين، موقفي ثابت فأنا أرفض التطبيع بكل أشكاله حتى وإن كلفني ذلك الغياب عن الألعاب الأولمبية”.

يا لها من رسالة إنسانية وروح رياضية ووطنية عالية.. فكيف لنا أن نتمتع بروح رياضية مع عدو لا يعرف الروح الإنسانية والرياضية، بل يعمل حكامه وسياسيوه ومستوطنوه يومياً على ارتكاب أبشع الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته بعد أن احتلّ أرضه وشرده في أصقاع الأرض؟.

بورك فوز ابن الجزائر بالأخلاق الرياضية والوطنية وبورك انتصار ابن السودان وابن لبنان وغيرهم ممن فعلوا الفعل نفسه، وهم وإن خسروا التتويج في البطولات الرياضية كرمى لعيون فلسطين، لكنهم حصلوا على أرقى وأسمى تتويج في ضمير وقلوب الشعب العربي.

انظر ايضاً

نقل الحرب إلى داخل روسيا لمصلحة من؟… بقلم: عبد الرحيم أحمد

لم تكن المحاولة الأوكرانية استهداف مبنى الكرملين بطائرات مسيرة مطلع شهر أيار الجاري محاولة جديّة