الأديب وليد إخلاصي.. صاحب المسيرة الإبداعية الأكثر غزارة كماً ونوعاً

دمشق-سانا

عندما نستعيد أسماء الأدباء الذين نبغوا من مدينة حلب في القرن العشرين فإننا سنتوقف عند الأديب وليد إخلاصي بوصفه أغزرهم نتاجاً على صعيد الكم والنوع وأكثرهم نيلاً للجوائز والتكريمات فضلاً عن ترجمة أعماله للعديد من اللغات الأجنبية.

الأديب إخلاصي الذي دون سيرته الذاتية في كتاب صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب (من الاسكندرونة إلى الإسكندرية.. محطات من السيرة الذاتية) يقص فيه محطات وقصصاً من حياته منذ أن أبصر النور في مدينة اسكندرونة بلواء اسكندرون السليب في 27 أيار من عام 1935 وكان والده أحمد عون الله اخلاصي شخصية وقورة ورصينة من أبناء حلب جاء بعائلته إلى اللواء بعد أن عين مديراً للأوقاف فيها.

إقامة إخلاصي في إسكندرونة لم تدم طويلاً لذلك لا يحتفظ في ذاكرته بالكثير عنها لأن والده نقل إلى مدينة حمص سنة 1937 حيث حمل هنالك مشهداً من أيام طفولته الباكرة لا يزال يؤرقه عندما شاهد بأم عينه سقوط شهيد في مظاهرة ضد الاحتلال الفرنسي.

وبحكم عمل والد إخلاصي الوظيفي تنقلت الأسرة إلى حماة أيضاً قبل أن يستقر بها المقام في مسقط رأسه بالشهباء والتي لفتت انتباه الطفل وليد لأنها كانت أكبر مدينة يزورها حتى تاريخه وشد انتباهه بناء قلعتها الضخم.

وفي حلب حيث نما إخلاصي وترعرع ببيت حلبي قديم درس الابتدائية في مدرسة الحمدانية وعندما كان يعود إلى البيت يسر حكايات جدته الشيقة وما فيها من خيال وخرافات ولا سيما ألف ليلة وليلة والتي زرعت فيه حب الحكاية وسنجد لها صدى في أعماله لاحقاً وكانت تسليته الثانية جهاز الراديو الذي وضع في الصالون وكان يجمع من حوله ضيوف الأسرة للاستماع إلى حفلة أم كلثوم الشهرية.

وتعلق إخلاصي بالقراءة وورث حب المطالعة من والده الذي ترأس تحرير مجلة شهرية أغلقها الاحتلال الفرنسي غير أن الطفل وليد وجد له متنفساً في دار الكتب الوطنية أحد أعرق المؤسسات الثقافية في حلب كما كان يستأجر الكتب من دكاكين حي السويقة أحد أسواق المدينة القديمة.

وبعد أن أنهى إخلاصي دراسته الثانوية في مدرسة التجهيز الأولى (المأمون حالياً) والتي تأثر فيها بمعلمه الشاعر الراحل سليمان العيسى ازداد حباً للأدب والشعر لكنه لم يستطع مجاراة والده في دراسة الطب لأنه مقت منظر المشرحة ولم يستطع أن يحقق رغبته في دراسة الفلسفة والأدب فاختار حلاً ثالثاً وهو الهندسة الزراعية فسافر إلى مصر والتحق بجامعة الإسكندرية وهنالك حاز شهادة الإجازة سنة 1958 ثم الدبلوم.

وعندما عاد إلى سورية عمل في مواقع وظيفية عدة بمدينة حلب بدءاً من عام 1960 بمديرية الاقتصاد ومحاضراً في كلية الزراعة ثم في المؤسسة العامة لحلج وتسويق القطن والتي ظل موظفاً فيها حتى تقاعده سنة 1999 والمؤسسة العامة لحلج وتسويق القطن حيث جاب مناطق عدة من العالم مروجاً للقطن السوري.

عمل إخلاصي الوظيفي ثم زواجه أمناً له الاستقرار المادي والعاطفي فانكب وراء موهبته الأدبية لينميها فبعث بقصة له إلى مجلة المعرفة الشهرية الصادرة عن وزارة الثقافة فنشرتها فورا ونال أجراً عليها يساوي ما تقدمه المجلة لكبار الكتاب فتشجع لأجل ذلك ونشر لمجلة أدب اللبنانية التي كان يترأس تحريرها الشاعر يوسف الخال فتحمس له وعرض عليه نشر نتاجه فظهرت أولى مجموعاته القصصية (قصص) سنة 1963.

واتسم نتاج إخلاصي بعدها بالغزارة والتنوع فكان كما يقول عنه الناقد الدكتور أحمد خليل في كتابه (فن القصة عند وليد إخلاصي) أحد الأدباء القليلين الذين تميزوا في أكثر من جنس أدبي من القصة والرواية والمسرح تاركاً اختيار النوع الأدبي للنص الذي سيكتبه للنص بذاته.

ويرى خليل أن من أهم مميزات إخلاصي الأدبية التي تجعله متفرداً بين أقرانه صفة الاستمرارية في إبداع ظل يقرع أبوابه بمختلف ألوانه ليصبح في عقدي الستينيات والسبعينيات من أبرز كتاب القصة القصيرة في سورية وصدر له نحو 12 مجموعة كان الواقع وحكايات الناس البسطاء محور معظمها.

أما في المسرح فألهمت نصوص إخلاصي مسرحيي حلب لتقديمها على الخشبة فكان من مؤسسي مسرح الشعب الذي تحول إلى المسرح القومي ومن أهم نصوصه (مقام إبراهيم وصفية) التي قدمت مراراً في مسارح سورية وعربية واتسمت كتاباته عموماً بالعبثية في إطار من الواقعية وكان من الرواد في كتابة المسرح داخل المسرح ولكن من المؤسف أنها لم تنفذ كلها وظل أغلبها نصوصاً مطبوعة.

أما في الرواية التي طرق بابها إخلاصي منذ عام 1965 مع رواية (شتاء البحر اليابس) فقد ظهرت جلياً قدرته الفاقة على التخييل وابتعاده عن التوثيق حيث ذكر مرة في تصريح صحفي “معظم أعمالي مستمدة من أحلام رأيتها وهي من العناصر المهمة في كتاباتي الإبداعية” ولا أدل من نبوغه الروائي اختيار روايته دار المتعة بين أفضل 100 رواية عربية في القرن العشرين.

وعبر مسيرته الإبداعية طوال ستين عاما نال إخلاصي صاحب الأكثر من 40 كتاباً العديد من الأوسمة والتكريمات أهمها وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة عام 2005 فضلاً عن جوائز اتحاد الكتاب العرب في سورية والقصة العربية محمود تيمور في مصر وسلطان بن علي العويس الثقافية من الإمارات.

سامر الشغري

انظر ايضاً

بصمات مبدعة… كوليت خوري.. القلادة الأجمل في جيل الأدب السوري الذهبي

دمشق-سانا إحدى قلائد الجيل الذهبي في الأدب السوري الحديث حبيبة الشعروابنة مدينة الياسمين وحفيدة أمجادها …