الشريط الإخباري

الإرهاب: استراتيجية دولية

لم يعد الأمر خافياً على أحد، الإرهاب هو أحد أهم ركائز السياسة الاستراتيجية الدولية، لذلك فإن قرار واشنطن وأتباعها، ليس محاربته على الإطلاق، بل استخدامه، كما جرت العادة، لتحقيق أهداف لا تتوقف، بحسب الوقائع الحالية والسابقة، أمام دماء الأبرياء أو حقوق الشعوب ومستقبلها وما إلى ذلك من “صغائر الأمور” المملة والمضجرة!!..
وبالتأكيد فإن لاستخدام الإرهاب كاستراتيجية دولية أهدافاً متعددة ومختلفة بتعدد واختلاف المناطق، والمنطق أيضاً، بيد أن ما يعنينا، في منطقتنا، من هذه الأهداف، هو ما كشف عنه وزير خارجية العدو “ليبرمان” بدعوته إلى استغلال إرهاب “داعش” وشقيقاتها ورعاتها، في بناء “مبنى سياسي جديد” في الشرق الأوسط، قوامه تحالف بين إسرائيل والدول العربية المعتدلة، لمواجهة التهديد المشترك من “التطرف العربي”، وهنا لا بد من إثبات حقيقتين: الأولى أن أصحاب هذا “المبنى”، الجديد-القديم، يقصدون بـ “التطرف العربي” الدول والمنظمات والأفراد الذين يواجهون المخطط الصهيوني-الغربي في المنطقة، والثانية أن هذا “المبنى” لا يمكن له أن يقوم اليوم، كما لم يكن من الممكن ذلك قبلاً، والعرب أمة واحدة، لذلك عليهم أن يتذرروا إلى هويات ما قبل الدولة، من طوائف ومذاهب وعشائر وقبائل وملل ونحل وفرق متقاتلة، وخاصة، وبالتحديد، عرب بلاد الشام والهلال الخصيب، لأنهم ذوو نزوع قومي، نظري وعملي، واضح، وهو ما تفصح عنه، مثلاً، مطالبة “شمعون بيريز” لباراك أوباما بعدم الحفاظ على العراق موحّداً، ودعم “نتنياهو” المباشر والعملي لمشروع “البرزاني” الجديد.
إذاً الإرهاب هو استراتيجي، وبالتالي فإن على مواجهته أن تكون استراتيجية أيضاً، وهذا يقتضي، بداية، تحديد الحامل الرئيس له، وهو، في منطقتنا، الاحتلال الصهيوني ببعديه، العملي-الاستيطاني، والفكري-الإلغائي، من جهة، ومن جهة أخرى بعض فكرنا العربي-الإسلامي المتطرف، وهما معاً، على الرغم من تضادهما الظاهري، متضامنان متكافلان موضوعياً في تشكيل الحاضنة الأم للإرهاب التنفيذي الميداني، بل هما أسه وأساسه، ونقطة الجذب وحجر الرحى الذي يدور حوله الإرهابيون على اختلاف أهدافهم التكتيكية المرحلية، وهو ما تكشفه حقيقة أنهما لم يتواجها عملياً حتى الساعة، بل هما يواجهان معاً كل نزوع عروبي وحدوي حضاري تنويري في المنطقة. وإذا كانت الدلائل تدل على المدلول، بحسب متكلّمي المسلمين، فإن سجل الاحتلال وإرهابه لا تتسع له مجلدات كاملة، أما سيل الفتاوى المتخلّفة الصادرة عن عقل مريض يفتي بتكفير الآخر كائناً من كان، وجواز مضاجعة الجثة، وتحليل نكاح الجهاد، وتكفير من يتطاول على الذات الملكية، أو يقول بكروية الأرض، فهو دال بدوره على منبع الإرهاب الفكري وأسه فينا، كعرب ومسلمين، وهو فكر وصل به التطوّر، قل الانحطاط، العقلي، إلى فتوى من وزن “بطلان صيام من يكره داعش”!!..
ولأن العالم، وحتى هذه اللحظة، يرفض إقامة مؤتمر لتحديد استراتيجية مواجهة دولية مشتركة للإرهاب، لأن بعضه إرهابي، كما سلف، فمن المهم التأكيد، في ما يخصنا كعرب، على أنه لا وجود لنا في مستقبل المنطقة والعالم دون مواجهته، وبالتالي لا ثورة حقيقية لا يكون على رأس شعاراتها مواجهة “إسرائيل” و”داعش” كواقع عملي وفكرة إرهابية نظرية معاً، وهذا لا يكون إلّا عملياً، بالسلاح، وفكرياً بالأدلة والحجة لتقويض هذا الفكر وفضح مصادره العنفية، وتجفيف موارد تغذيته، التي يأتي معظمها عبر البترودولار الذي يغذيه ويساهم في انتشاره.
ما عدا ذلك، يقتضي، بكل صراحة ووضوح، من جامعة الدول العربية، بقيادتها النفطية، فتح أبوابها لاستقبال “إسرائيل” دولة كاملة العضوية، كما لاستقبال المولود الجديد الذي ساهمت في ولادته: دولة الخلافة، وعلى “العربي” إخلاء مقعده في “الأمانة”، فقد جاء الخليفة الأمين، وإلّا مات ميتة جاهلية، وهو أمر لا نرضاه له بالتأكيد!.
بقلم: أحمد حسن