“ريمة اللحف”:إحدى قرى جبل العرب التي حافظت على غناها الأثري

السويداء-سانا

تعد قرية ريمة اللحف الواقعة على طرف اللجاة الجنوبي إحدى قرى جبل العرب العامرة والغنية بآثارها والتي حافظت على غناها الأثري حيث ازدهرت وتطورت منذ العهود الآرامية والنبطية واليونانية الرومانية والبيزنطية والعربية الإسلامية.
وتعتبر ريمة اللحف من أكبر قرى منطقة اللجاة من حيث المساحة وعدد السكان وكانت تشكل عقدة مواصلات خلال العصر الروماني اذ كانت تمر بقربها الطريق القادمة من بصرى باتجاه دمشق ولا تزال فيها آثار تعود لبعض تلك الفترات أبرزها كنيسة رومانية وبرج أثري.
ويشير الباحث في آثار المنطقة وليد أبو رايد إلى أن القرية سميت بهذا الاسم نسبة إلى اللحف الصخرية المكونة لصبة اللجاة البازلتية التي تشكلت نتيجة آخر ثورة بركانية في المنطقة من فوهات تلال مدينة شهبا التي قذفت حممها نحو الشمال الغربي حيث تعني ريمة باللاتينية الفج الصخري الذي يخرج منه النور
أو النار أما لغويا فأصل التسمية مشتقة من رام ريما بالمكان أي أقام وثبت ورامت السحابة دامت والريم الظبي الخالص البياض وألحف الرجل مشى في لحف الجبل واللحف هو أصل الجبل.
ولفت إلى أن “كنيسة ريمة اللحف الأثرية تتميز بصمودها في وجه الزمن فالشعائر الدينية رغم اختلافها ما زالت تمارس في أرجائها مبينا أن مخطط الكنيسة يعود إلى عصر أقدم من المسيحية حيث الفراغ الذي يتجه غرب شرق بحجاز وحيد مع مدخل من جهة الجنوب يلحق به غرف خدمات من الناحية الشمالية وتتقدمها
جنوبا ساحة واسعة مرصوفة بالبازلت كما أضيفت إلى الواجهة الجنوبية رموز مسيحية مضيفا ان أهالي القرية حافظوا على النسيج العمراني الأثري لقريتهم”.
ويوضح أبو رايد أن البرج الأثري في ريمة اللحف يعود إلى منتصف القرن الثالث الميلادي وبني على طرف الساحة الجنوبي الغربي من حجارة بازلتية منحوتة بعناية فائقة و كان برجا عسكريا للمراقبة يتألف من ثلاثة طوابق الأول والثاني بنيا بنفس الأسلوب أما الأخير فأضيف لاحقا مشيرا الى انه يمكن الدخول إلى
الطابق الأرضي من الناحية الغربية واستخدم هذا الطابق كمقبرة للأسرة التي صممته وفقا للطراز المعماري التقليدي المعروف في جبل العرب آنذاك أما الطابق الثاني فاستخدم كخلوة دينية لأنه عبارة عن غرفة واحدة فقط مخصصة على ما يبدو لمراسم الدفن والطقوس الدينية تزين زواياها الدعامات التي تتوجها تيجان
إيوانية جميلة.
ولفت إلى أن دائرة آثار السويداء خلال السنوات الماضية تنقيبا أثريا في الموقع لتحديد امتداداته بغية استملاكه وجرى تنظيف محيط البرج وتوثيقه بالصور والمخططات.
وأضاف أبو رايد أن الباحث ج.ل.بركهاردت ذكر في مؤلفه رحلات في سورية والأرض المقدسة في عام 1810 بأنه توجد في كفر اللحف بركتان تمتلئان في أيام الشتاء بواسطة فرع من وادي قنوات وبقربهما نجد بقايا جدران ضخمة فيما وصف الباحث ج.ماسكل في عام 1944 ريمة اللحف بأنها تقع في أطراف منطقة اللجاة وفي منتصف الطريق بين السويداء وشهبا وفيها مدفن شديد الطرافة موقعه في الطرف الغربي من القرية ويتمثل كبرج بثلاثة طوابق وفي
القاعدة المعتبرة طابقا تحت الأرض غرفة تحتوي على ثلاثة نواويس حجرية ثابتة وموجهة من الشرق إلى الغرب وفوقه على منصة ومن تاريخ أكثر حداثة بني مدفن برجي بارتفاع حوالي 7 أمتار حيث يحتوي الطابق الأرضي على غرفة للموتى وهي بحالة جيدة ومسقوفة ببلاطات بازلتية مع مدخل على الواجهة الجنوبية وتعلو المدخل كتابة يونانية تذكر أن هذا المدفن لشخصية تدعى سيليستينوس والزوايا الخارجية للمدفن مزخرفة بأعمدة نصفية مربعة ذات طراز إيوني مع إفريز يتوج الجميع.
كما قامت الباحثة الفرنسية آني سارتر فوريا بوصف هذا المدفن في دراسة نشرتها عام 2001 حول المدافن والموتى بأنه استخدمت في بنائه حجارة بازلتية منحوتة بشكل جيد ذات أبعاد مختلفة بالنسبة للقبر الأصلي المبني فوق مصطبة وبالنسبة للطابق العلوي فقد بني بحجارة نحتها مقبول وفواصلها بين المداميك
واضحة وعدد المدافن ستة في المدفن الأرضي وثلاثة في أسفل الأقواس في الطابق الأول وهناك ناووس إضافي واقع فوق الباب الرئيسي من الداخل.
فيما قامت الباحثة الفرنسية ج.دنزر فيدي بدراسة البناء وخاصة تيجان الزوايا المزخرفة حيث أظهرت دراستها تقاربا بين شكل زوايا هذا البناء وبين بناء مقبرة أسرة الإمبراطور فيليب العربي في شهبا فيليبيون المبنية بين عامي244-249م وبالتالي فإن مقبرة ريمة اللحف مبنية تقريبا في الفترة نفسها أما طبقاتها العليا فقد بنيت كباقي المباني من هذا النوع في منطقة حوران خلال القرن الرابع الميلادي.
ويضيف الباحث في آثار المنطقة أنه تم العثور في بدايات القرن العشرين على دلائل تشير إلى وجود عبادة وثنية للإله زيوس آنيكيتوس هيليوس إله السموات والأرض الذي ازدهرت عبادته خلال القرن الرابع الميلادي حيث أقيم له معبد في قرية دير اللبن على حدود منطقة اللجاة وقد اتخذ هذا المعبد تسمية المعبد المكرس لإله أوموس والذي كان شبيها بالإله زيوس هيليوس و ذكرت الكتابات القديمة اليونانية المكتشفة في المنطقة أن ثلاث شخصيات من الوجهاء الذين يمثلون قريتي مردك و/ريمة اللحف/ وكان لقبهم بيستوي باليونانية قاموا بإنجاز أعمال بناء مذبح لذاك الإله ممثلا على هيئة تمثال نصفي لشاب وجهه غير ملتح .
كما تضم ريمة اللحف بالقرب منها آثارا واضحة لطريق رومانية قديمة مرصوفة بالحجارة البازلتية قادمة من بصرى الشام باتجاه دمشق بالإضافة إلى منطقة جميلة تعرف باسم الكلتة تقع غرب القرية و يقصدها الناس للتنزه في فصل الربيع في سنوات الخير والمطر الوفير حيث يمر فيها واد يقسمها إلى قسمين وتنبت الأعشاب المتنوعة على جانبيه وتتسرب معظم مياهه لتتجمع في عدة مناطق في المنطقة ما يجعلها مكانا رائعا للتنزه وقضاء وقت جميل في أحضان الطبيعة.
وريمة اللحف تبعد عن مدينة السويداء حوالي 22 كم وعن مدينة شهبا 9 كم وترتفع عن سطح البحر حوالي870 مترا كما يحيط بها عدد من الخرب القديمة مثل كوم التينة وخربة الصوان.
سهيل حاطوم